شيخ رضا طالباني

شاعر الهجاء في الأدب الكردي

اعداد: ايمان  جباري(*)

  يعد ﺸﻴﺦ ﺭﺿﺎ ﻃﺎﻟﺒﺎﻧﻲ واحدا من اعظم وأشهر شعراء الكرد على مر التاريخ ومن ابرزهم بلاغة وفصاحة ونبوغا، ومن اكثرهم ألقا واثارة للاهتمام والاعجاب والجدل ايضا. امتاز بشخصيته الظريفة وشاعريته المجيدة وبراعته في نظم الشعر بلغات عدة، لاسيما في ميدان الهجاء الذي لم يضاهيه فيه لحد الآن أي شاعر آخر من شعراء امته. فهو بحق رائدا لمدرسة  شعرية خاصة به، اساسها الهجاء الحاد الساخر والتهكم اللاذع والتشهير الفاحش الصريح، رغم كونه  في حقيقة الامر عالما تقيا ودودا طاهر النفس طيب المعشر.

عرف عنه البلاغة والسخرية والعنف والصراحة في قصائده ﺍﻟﻬﺠﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺿﺪ ﻣﻦ ﻫﺠﺎﻫﻢ ﺍﻓﺮﺍﺩﺍً ﻭﺟﻤﺎﻋﺎﺕ، ﻣﻔﺮﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺎﺟﻨﺔ ﺍﻟﻤﻜﺸﻮﻓﺔ ﻭﺗﺸﺒﻴﻬﺎﺗﻪ ﺍﻟﺴﺎﺧﺮﺓ ﺍﻟﻤﺒﺘﻜﺮﺓ ﻭﺍﻭﺻﺎﻓﻪ ﺍﻟﻜﺎﺭﻳﻜﺎﺗﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﻼﺫﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺄﻟﻮﻑ، ﻓﺎﺻﺒﺢ ﺑﺤﻖ ﺭﺍﺋﺪﺍً ﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ، ﺍﺳﺎﺳﻬﺎ ﺍﻟﻬﺠﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﺎﺧﺮ ﻭﺍﻟﻮﺻﻒ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﻱ ﺍﻟﻼﺫﻉ ﻭﺍﻟﺘﻬﻜﻢ ﺍﻟﻤﺮ، وكانت قصائد شيخ رضا الهجائية والمكشوفة محل إحراج لأسرته، خاصة لأخيه الكبير الشيخ علي، الشخصية الكبيرة المعروفة في كركوك وفي المنطقة، لذلك لم يكن موقفه تجاه بعض تلك القصائد السكوت، وقال البعض ان سبب تدهور العلاقة بين الشيخ علي وشيخ رضا هو الميراث وهذا أساس له من الصحة، فلم يحدث إي خصام بين الشيخ علي وأخوته الآخرين الذين ساندوا أخاهم الكبير وطلبوا من شيخ رضا الكف عن نظم أشعار تسيء، بحسب ما يرون وبحكم الموقع الديني لهم، إلى سمعة الأسرة ومكانتها بين الناس. ومن قصائده المعروفة في ﺍﻟﻬﺠﺎﺀ هو الرد ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮﻳﻦ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺍﻟﺮﺻﺎﻓﻲ ﻭﺟﻤﻴﻞ ﺻﺪﻗﻲ ﺍﻟﺰﻫﺎﻭﻱ، ﻭﻗﺪ ﺟﻤﻊ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻋﻄﺎ ﺍﻟﺨﻄﻴﺐ ﺷﻌﺮﻩ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻬﺠﺎﺀ.

ينتمي الشاعر النابغ شيخ رضا طالباني الى نخبة الشعراء الفطاحل الذين تألقوا في سماء الشعر الكردي وأغنوا أدب وثقافة أمتهم بالكثير من ابداعاتهم الشعرية الخالدة التي ماتزال لحد يومنا هذا تمنح الكثير من المتعة من حيث جاذبيتها وتأثيرها. ومع انه عرف ويعرف غالبا في وسطنا الادبي ولدى قرائه ومعجبيه الكثيرين بانه شاعر الهجاء الاول في تاريخ الادب الكردي، حيث طغت شهرته في هذا المجال على شخصيته الادبية، لكن مجمل نتاجع يؤكد أيضا كونه شاعرا نابغا بليغا في جميع الاغراض الشعرية الاخرى التي طرقها واجاد فيها بامتياز، من مديح وفخر ورثاء وتصوف وعتاب وغزل.

لم يقتصر ابداع شيخ رضا فقط على ميدان الشعر الكردي الذي برز فيه فارسا لامعا من فرسانه النخبة، بل تعدته الى الشعر التركي والفارسي اللذين أجاد وبرع فيهما تماما، تاركا من بعده قصائد رائعة كثيرة بهاتين اللغتين، تشغل بمجملها حيزا كبيرا في ديوانه الشعري الذي طبع مرارا. ورغم انه لم تصل الينا الا شذرات متفرقة من شعره المنظوم باللغة العربية، غير ان تلك الشذرات رغم قلتها تدل بوضوح على مقدرته الكبيرة في نظم الشعر بهذه اللغة ايضا. أي انه شاعر رباعية اللغة، وهذا أمر نادر في تاريخ أدب جميع الأمم.

ولد شاعرنا الظريف في حدود عام 1835 في قرية (قرخ) التابعة لقضاء جمجمال (شرقي كركوك)، حيث نشأ وتربى في كنف اسرة دينية مهيبة وشهيرة و نال تعليمه الاول على يد والده الجليل الشيخ عبدالرحمن طالباني. ثم انتقل الى مدينة كركوك ليواصل مشواره الدراسي عند السيد محمد بلاغ والحاج سعيد حلمي زاده. ومن هناك انتقل الى مدينة كوية مواصلا دراسته في جامعها الكبير باشراف الملا أسعد جلي زاده. بعدها انتقل الى مدينة السليمانية لينال قسطا آخر من العلوم الدينية والعقلية الشائعة آنذاك في جامع المرشد الحاج كاك احمد الشيخ. وظل حتى بلوغه الخامسة والعشرين منكبا على دراسته بالعربية والتركية والفارسية محققا فيها جميعا نجاحا مشهودا. قاده شغفه بالترحال وحب الاطلاع وتوقه الى التحرر والانطلاق عام 1860 الى الذهاب الى مدينة اسطنبول مرورا بمدينة حلب السورية، فمكث هناك مدة عامين . وأثناء عودته الى ارض الوطن، علم في اربيل بنبأ وفاة والده، فهزه النبأ من الصميم. وبعد ان قضى عدة أشهر في كركوك حيث التكية الطالبانية تكية اسرتهم الشهيرة، توترت خلالها علاقته مع شقيقه الاكبر الشيخ علي، فقرر الهجرة الى بيت عمه الشيخ عبد الغفور في مدينة كوية. اغراه عمه بالبقاء عنده واعدا اياه بتزويج ابنته منه. وبعد ستة أشهر من العمل الشاق في خدمة اسرة عمه، تيقن انه قد خدع ولم يوف عمه بوعده، فاضطر على العودة الى كركوك خائبا مكسور الخاطر. وفي عام 1866 توجه الى اسطنبول ثانيا وجاب في طريقه مدن كردستان الشمالية حتى بلغ أرضروم، وأخيرا وصل الى اسطنبول. أنشغل شاعرنا هناك بعالم الشعر والادب وتوطدت علاقاته مع الادباء والشعراء والمفكرين الترك وارتبط بصلات وثيقة مع الشخصيات المعروفة في العاصمة العثمانية، فذاع صيته كشاعر نابغ مرموق وحظي باهتمام ورعاية الباب العالي خصوصا كمال باشا كبير وزراء الدولة العثمانية الذي هيأ له فرصة حج بيت الله الحرام.

وفي عام 1874 عاد شيخ  رضا بشكل نهائي الى ارض الوطن، فأقام مجددا في كركوك حيث شغل نفسه ببعض الاعمال الزراعية في اطراف المدينة، كذلك حظي باعانة مالية شهرية محدودة من الحكومة العثمانية. وفي عام 1898 غادر كركوك نهائيا واستقر في تكية اسرته الطالبانية في مدينة بغداد، حيث حفلت سنوات عمره الاخيرة بالكثير من العطاء والابداع  وتوفرت  له خلالها فرصة الالتقاء بمجالس العلماء والادباء والمفكرين هناك. واحتفظ خلالها بصلاته الوثيقة مع عدد من الاسر العريقة والشخصيات اللامعة المرموقة من اهالي بغدد الى ان توفي عام 1910، فدفن جثمانه في المقبرة الكيلانية. وقد ظل من بعده نجلاه الشاعر محمد خالص وشيخ عبدالله امينين على تقاليد اسرتهما المعروفة ومآثر والدهما الراحل.

(*) المرحلة الثانية

قسم التحليلات المرضية – جامعة تيشك الدولية – اربيل

المصادر :

_ كتاب ﺍﻟﺒﻐﺪﺍﺩﻳﻮﻥ ﺃﺧﺒﺎﺭﻫﻢ ﻭﻣﺠﺎﻟﺴﻬﻢ، ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻐﻨﻲ ﺍﻟﺪﺭﻭﺑﻲ.

_ مقالة لـ”بلنك ميتاني” في موقع الحوار المتمدن الالكتروني.

_ ديوان الشاعر شيخ رضا طالباني، اعداد الدكتور نوري طالباني.

_ شيخ رضا طالباني بقلم عدد من الكتاب والادباء باللغة الكوردية، من منشورات مؤسسة آراس.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *