المسئولية الجنائية عن نقل عدوى الايدز عمدا

المسئولية الجنائية عن نقل عدوى الايدز عمدا

د. عماد فتاح

مدرس قانون الجنائيكلية القانون

جامعة صلاح الديناربيل

من المعلوم أن المصاب بعدوى الإيدز يجب ان ينظر اليه كحالة مرضية وان يتم توفير له كافة المستلزمات الطبية، لكي لا يشعر أنه عبء على المجتمع مما يسبب له عقدة نفسية قد تؤدي التفكير بها العمل على أصابة غيره من الافراد. ومن اجل ذلك نصت المادة (34) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه:

“تكون الجريمة عمدية اذا توفر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمدية كذلك:

 أ. اذا فرض القانون أو الاتفاق واجبا على شخص وامتنع عن أدائه قاصدا احداث الجريمة التي نشأت مباشرة عن هذا الامتناع.

ب. إذا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا المخاطرة بحدوثها”.

وعليه لابد من أن نبين هنا المسئولية الجزائية عن نقل عدوى الإيدز عمدا في الشريعة الاسلامية الحنيفة ومن ثم في القانون الوضعي.

اولا: موقف الشريعة الأسلامية الحنيفة

من المعلوم ودون ريب، ان الشريعة الاسلامية قد جاءت بهدف الحفاظ على الإنسان والاعتناء به وتحريم كل فعل يؤدي الى هلاكه، وبذلك يعتبر أي اعتداء عليه اعتداء على إحدى الكليات الخمس التي حثّت الاديان السماوية على المحافظة عليها. بناء عليه قد يثار سؤال هنا فحواه، ما هو حكم الشرع في حالة من يتعمد أصابة شخص ما بعدوى الإيدز؟

للإجابة على ذلك هناك الكثير من الأدلة التي تشير الى هذا الموضوع، وبالاخص الادلة القطعية الثبوت في المحافظة على الأنسان والانسانية من أية اعتداء، ومن أهما ما جاء في القرآن الكريم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)(1)، أو قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).(2)

بالاستناد الى معنى الآيتين السابقتين، يمكننا القول بإن أصابة الغير بعدوى الإيدز عمدا يعني اقتراف جريمة عمدية، وقد اختلف الفقهاء حول السبب حيث اعتبره البعض على أنها جريمة عمدية موجبة للقصاص، ويرى الحنفية أن هذه الجريمة لا تعتبر قتلا عمديا موجبا للقصاص، وادلتهم في ذلك بإن القتل بالسبب لا يساوي القتل مباشرة، وأن القصاص هو المساواة ولا مساواة في القتل بالسبب في تعمد اصابة شخص ما بعدوى الإيدز(3)، أما جمهور الفقهاء فقد اعتبروا القتل بالسبب مساوٍ للقتل بالمباشر في وجوب القصاص، وادلتهم في ذلك النتيجة في القتل بالسبب والمباشر، في الحالتين يؤدي الى نتيجة حتمية وهي ازهاق روح الإنسان وهو على قيد الحياة.(4)

ولكن قد يختلف القصد الجنائي لدى الفاعل في اصابة المجني عليه دون ان يكون على عداوة مع المجني عليه او الهدف منه للأنتقام الشخصي بل أن القصد من الجريمة الإفساد العام. ومن ألامثلة على ذلك قد تتعمد بعض الدول العمل على تصدير بعض الفتيات المصابات بمرض الإيدز الى دول أخرى تحت غطاء العمل أو السياحة حيث تدفع بهن الى الدعارة لأصابة افراد مجتمع الدولة المستقبلة لهذه الفتيات بهذا المرض العضال. وقد جاء في مؤتمر الفقه الاسلامي المنعقد في أبوظبي على أنه تعمد نقل عدوى الإيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة) الى السليم منه بأية صورة من صور التعمد، عمل محرّم ويعد من كبائر الذنوب والاثام كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الافراد وتأثيره على المجتمع، فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله يعد نوعا من الحرابة والإفساد في الارض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في أية الحرابة.(5)

        وخلاصة القول هو إن الشريعة الاسلامية الحنيفة قد جاءت بهدف الحفاظ على الإنسان وكرامته بعيدا عن كل فعل يؤدي به الهلاك، وهذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء على أن التعمد في أصابة افراد المجتمع بعدوى الإيدز تدخل في نطاق جريمة القتل العمدي وتستوجب عقوبة شديدة حسب القصد المتوفر لدى الجاني، سواء أكان من ذلك الانتقام والثأر الشخصي أو بقصد الافساد العام. وهذا ما اتجهت اليه كافة الشرائع السماوية.

ثانيا :  موقف القانون الوضعي

من المعلوم أن التشريعات الجزائية قد انقسمت الى اتجاهين، فمنهم من وضع نصوصا جزائية صريحة في تنظيم وتجريم نقل عدوى الإيدز عمدا الى شخص اخر وذلك أما بقانون خاص بذلك أو بنصوص في قوانينها العقابية، ومنها لم تعالج هذه المشكلة وعليه سنتطرق الى التشريعات التي اقرت قوانين ونصوص صريحة بهذا الصدد، ومن ثم نتناول التشريعات الجزائية التي لم تعالج هذه المشكلة.

أ‌. الدول التي اقرّت قوانين ونصوص تجرم نقل عدوى الإيدز عمدا

 نظرا لخطورة جريمة نقل عدوى الإيدز الى الغير، اتجهت بعض الدول الى وضع قوانين تجرم نقل عدوى الايدز الى الغير، حيث نصت المادة (22) من القانون البحريني رقم (1) لسنة 2017  وقاية المجتمع من مرض متلازمة النقص المناعي المكتسب وحماية حقوق الاشخاص المتعايشين معه، “ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة الاف دينار ولا تتجاوز خمسين الف دينار، كل من تسبب في نقل الفيروس عمدا إلى الغير. ويعتبر ظرفا مشددا إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو اذا نشأ عن الفعل انتقال الفيروس لأكثر من شخص، ومع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية للشخص الطبيعي، يعاقب الشخص الاعتباري بضعف الغرامة بحديها الأدنى والأقصى، إذا ارتكبت أي من الجرائم المقرّة بموجب أحكام هذا القانون من قبل أحد العاملين لديه.”(6)

يتضح من نص المادة المذكورة أن المشرّع البحريني قد جرّم نقل فايروس الإيدز عمدا الى الغير وفرض العقوبة التي يجب ان لا تقل عن السجن لمدة عشر سنوات. واعتبرها ظرفا مشددا يستوجب عقوبة اشد في حالة اذا كانت الجريمة قد تمت من قبل من استغل وظيفته او حرفته وقام بنقل هذا الفايروس الى الغير، لأن هذه الجريمة لا تحدث فقط عن طريق الاتصال الجنسي وإنما هناك طرقا اخرى، خاصة بالنسبة للاطباء والممرضين حيث يسهل عليهم القيام بهذه الجريمة وذلك باستخدام الاداوت الطبية كما حدث ذلك في ليبيا من قبل بعض الممرضات البلغاريات، حيث تم نقل عدوى الإيدز الى الاطفال من خلال الادوات الطبية اثناء العلاج.

اضافة الى العقوبة السالبة للحرية اضاف المشرّع الى جانبها عقوبة الغرامة محددا بذلك مبلغها على أن لا تتجاوز الخمسين الف دينار ولا تقل عن عشرة الاف دينار بحريني، واعتبرها ظرفا مشددا اذا تم نقل الإيدز الى اكثر من شخص. وفرض المشرّع البحريني اضافة الى ذلك المسئولية الجزائية على الشخص الاعتباري، وتكون العقوبة الغرامة بالضعف بحديها الادنى والاقصى اذا ارتكبت هذه الجريمة من قبل احد العاملين لديها. هكذا يتضح أن المشرّع البحريني قد جاء متاخرا لسن قانون يجرم نقل عدوى الإيدز عمدا لكن مع ذلك قد وضع حدا لهذه الحالة الكارثية التي لربما ستواجه المجتمع البحريني في المستقبل.

وسبق المشرّع اليمني المشرّع البحريني بوضع القانون رقم (30) لسنة 2009 بشان وقاية المجتمع من الإيدز وحماية حقوق المتعايشين مع الفيروس. ونصت المادة (36) من القانون المذكور على أنه “يعاقب كل من تسبب بنقل فيروس نقص المناعة البشري/ الإيدز للغير بالعقوبات المقررة في قانون الجرائم والعقوبات.”

  يتضح من أن المشرّع اليمني قد جرّم نقل عدوى الإيدز الى الغير ولكن لم يشير الى العقوبة المقررة كما ما فعله المشرّع البحريني حيث نص على الرجوع الى العقوبات المقررة في قانون العقوبات وذلك لتحديد العقوبة وتوقيعها على الجاني حسب الركن المعنوي المتوفر في الجريمة، سواء أكانت الجريمة عمدية أم كانت عن طريق الخطأَ، حيث كان على المشرّع اليمني تحديد العقوبة المقررة لجريمة نقل عدوى الإيدز طالما جعلها جريمة في هذا القانون، من دون الرجوع للقواعد العامة في قانون العقوبات(7).

أما المشرّع الكويتي فكان سباقا في ذلك مقارنة بالدول العربية من حيث تسنين تشريعات جزائية بذلك. حيث أصدر المشرّع الكويتي القانون رقم (62) لسنة 1992 ونص في المادة (15) منه على أنه “.. ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز السبع سنوات وبغرامة لا تتجاوز سبعة آلاف دينار كل من علم أنه مصاب بفيروس الإيدز وتسبب بسوء قصد في نقل العدوى إلى شخص آخر.”

وبذلك كان المشرّع الكويتي موفقا في وضع نص خاص لمعالجة فعل نقل عدوى الإيدز عمدا للغير، مع ذلك فان هذه العقوبة برأينا لم تكون كافية لزجر المتهم وردع الغير، وكان على المشرّع الكويتي وضع عقوبة أشد من ذلك مع فرض اجراءات وتدابير احترازية تمنع من اصابة الغير بعد ان يكون الجاني قد نال عقوبته ويصبح حرا طليقا وقد يعمل على اصابة غيره من الافراد في المجتمع بهذه العدوى مرّة اخرى.

وبما أن عدوى الإيدز قد شاعت في الدول الغربية بكثرة، وذلك نتيجة للممارسات الجنسية غير الشرعية التي تسمح بها قوانين واعراف المجتمعات الأوربية، وحول هذه الحالة فقد انقسمت الدول الاوربية لقسمين، بعضها وضعت قوانين تجرم نقل عدوى الإيدز، والبعض منها سكتت عن ذلك وترجع الى القواعد العقابية العامة لمعاقبة الجاني، وبذلك نرى ان المشرّع الروسي قد اصدر قانون يجرم نقل عدوى الإيدز الى الغير عمدا وتكون العقوبة السجن لمدة ثمان سنوات متى ما كان عالما بذلك وقاصدا عمدا باصابة غيره من افراد المجتمع(8) .

ب‌. الدول التي سكتَ مشرّعوها على تجريم نقل عدوى الإيدز عمدا

بعد أن تطرقنا الى التشريعات التي وضعت نصوصا وقوانين تجرم نقل عدوى الإيدز عمدا الى الغير وتوجب العقوبة على الجاني، الى جانب ذلك هناك تشريعات جنائية لم تشير لتجريم نقل عدوى الإيدز عمدا الى الغير، مما قد يضطر القاضي الجزائي في هذه الحالات الى الرجوع للمبادئ والقواعد العامة، وذلك لايجاد نص عقابي يحكم من خلاله على هذه الدعوى التي ترفع أمام المحاكم الجزائية. ومن الامثلة على ذلك، لو تطرقنا الى القانون العراقي نرى ان المشرّع العراقي قد جعل عدوى الإيدز من الامراض الانتقالية حسب تعليمات تحديد الأمراض الانتقالية(9)، ولم يجرم نقل العدوى عمدا الى الغير بنص صريح، وبذلك يلجأ القاضي في هذه الحالة الى قانون العقوبات، ولكن المشكلة هنا هو ان نقل عدوى الايدز عمدا ترى ستدخل في نطاق أي مادة لمعاقبة الجاني، لذلك نرى ان قاضي الجنايات في هذه الحالة لا يخرج عن حدود احكام بعض الجرائم والتي من خلالها يجوز تجريم فعل الجاني وفرض العقوبة عليه، وهي كالأتي:

اولا: جريمة القتل العمدي

اشار المشرّع العراقي في المادة (405) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه “من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت”، وتكون العقوبة الاعدام في حالة اذا توفر في الجريمة ظرف من الظروف المشددة للقتل حسب المادة (406) من قانون العقوبات العراقي(10)، وبذلك تتوفر ثلاثة أركان في جريمة القتل العمدي، وهي على الوجه الآتي:

1- محل الجريمة: لا ينكر على أن جريمة القتل سواء أكانت عمدية أو عن طريق الخطأ، يجب ان تكون واقعة على إنسان حي وعلى قيد الحياة، حيث عرّف المشرّع العراقي جريمة القتل بانها هي إزهاق روح إنسان على قيد الحياة. وبما أن هذه الجريمة تكون أعتداء على الحق في الحياة، حيث لجأة التشريعات الجنائية الى تجريم كل مساس بحق الإنسان في الحياة والسلامة الجسدية.

2- الركن المادي: يتكون الركن المادي لكل جريمة وبالاخص جريمة القتل العمدي من ثلاثة عناصر وهي كل من السلوك الاجرامي والنتيجة والعلاقة السببية بينهما، لم يحدد المشرّع الجزائي السلوك الاجرامي في جريمة القتل العمد، حيث كل وسيلة تؤدي الى ازهاق روح الانسان تكون صالحة بطبيعتها لتحقق جريمة القتل العمدي، وبذلك نرى أن النشاط الاجرامي في عدوى الايدز تتمثل في أي وسيلة تؤدي الى اصابة الفرد بهذه العدوى، سواء أكان ذلك من خلال نقل الدم أو الاتصال الجنسي أو أي وسيلة أخرى، أما النتيجة الاجرامية في هذه الجريمة فانها تتمثل في موت المجني عليه، ويعتبر الفاعل مسؤولا عن هذه الجريمة طالما كان فعل الجاني مسؤولا عن تحقق النتيجة الاجرامية(11) . ولكن الصعوبة في أنه لا يمكن أكتشاف اصابة المجني عليه بمرض الايدز الا بعد مرور فترة من الزمن يقدره الأطباء باربعة الى اثنا عشر اسبوعا من يوم اصابته بهذه العدوى، وقد تطول أكثر الى عشرات السنين دون كشف ذلك. وفي هذه الحالة قد يصعب تحديد الفاعل في هذه الجريمة اذا كانت نقل العدوى ليست بين الزوجين وإنما نتيجة اتصال جنسي جماعي(12) .

3- الركن المعنوي: الأصل أنه لا يكفي لقيام الجريمة أن يتحقق الفعل المادي للجريمة، حيث علاوة على ذلك لابد من ان يكون هناك علاقة او رابطة ما بين الفاعل والفعل حيث تسمى بالركن المعنوي للجريمة، وتتثمل في الأصول النفسية لماديات الجريمة والسيطرة النفسية عليها بواسطة قوة قوامها الارادة حيث يتم نسبتها الى شخص ما حتى يتسنى عقابه، وبذلك يكون للركن المعنوي عنصران وهما كل من العلم والإرادة في كافة الجرائم ومن ضمنها جريمة القتل العمدي. وقد اكتفى المشرّع العراقي في جريمة القتل العمدي بالقصد العام دون القصد الخاص لعقوبة الجاني. وعليه لو قلنا أن نقل عدوى الإيدز تكون خاضعة للمادتين (405 و406) من قانون العقوبات العراقي، حينها لابد من أن يكون الفاعل مدركا بإن فعله سيؤدي الى اصابة شخص ما بعدوى والتي ستحقق الموت، لكنه هنا تثار مشكلة، وهي كيف يجوز ادانة المتهم بجريمة القتل العمدي إن لم تتحقق النتيجة حالا او بعد فترة قصيرة من الزمن؟ لانه يصعب اكتشاف هذا المرض الا بعد مرور فترة زمنية قد تطول لعدة سنوات، وعليه وبحسب رأينا يجب استبعاد ادخال نقل عدوى الايدز في نطاق جريمة القتل العمدي حسب ما طرحناه سلفا.

ثانيا: جريمة اعطاء مواد ضارة

       يؤيد البعض من الفقه الجنائي اعتبار نقل عدوى الإيدز عمدا الى الغير، بانه يدخل في نطاق جناية إعطاء المواد الضارة الى الغير(14). وبذلك ان اعطاء المواد الضارة تدخل في حيز جريمة الجرح والضرب والايذاء العمدي والتي اشارت اليها غالبية التشريعات الجزائية ومن ضمنها نصت المادة (412) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل على ذلك، وعليه فانه لقيام هذه الجريمة لابد من توفر أركانها وهي كالآتي:

1- الركن المادي في الجريمة: لتحقق الركن المادي لجريمة أعطاء المواد الضارة لابد من توفر عناصر الركن المادي والتي تمثل النشاط الاجرامي بنقل هذه العدوى من خلال نقل الدم الملوث أو الاتصال الجنسي او اية طريقة اخرى من قبل الجاني، أما النتيجة فيه فتتمثل في الاعتداء على سلامة جسم الإنسان الذي طالما اعتبره المشرّع مصون ولا يجوز المساس به أو انتهاكه الا اذا كان الهدف منه العلاج والعمليات الجراحية. واعتبر المشرّع اعطاء المواد الضارة والتي اذا ادت الى احداث عجز أو عاهة مستديمة او الموت، من الظروف المشددة للجريمة حسب المادة (241) من قانون العقوبات المصري(15)، ولابد من قيام العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة لتحقق المسئولية الجزائية على الفاعل وتوقيع العقوبة عليه.

2- الركن المعنوي: يتمثل الركن المعنوي في جريمة اعطاء المواد الضارة بنقل عدوى الايدز عمدا الى الغير على ان يكون الجاني عالما بإنه مصاب بهذا المرض الخطير ومدركا بإنه بفعله هذا سينقل هذا المرض الى المجني عليه حيث قاصدا بذلك مسببا ايذاء المجني عليه. وبذلك قد يلجأ القاضي الجزائي الى توقيع العقوبة على الجاني عند اصابة المجني عليه بعدوى الإيدز قاصدا بذلك تحقق جريمة الايذاء العمدي من خلال اعطائه المواد الضارة. ولكن نحن لا نتفق مع هذا لأنه في حال نقل عدوى الإيدز فانه يتسبب الموت الحتمي بعد فترة من الزمن حيث أن هذه الجريمة وعقوبتها لا تتناسبان مع حجم الفعل الذي اقترفه الجاني، بحيث يستوجب عقوبة اشد مما منصوص عليه في جريمة الجرح والضرب والايذاء العمدي.

ثالثا: جريمة التسميم

        نصت المادة (233) من قانون العقوبات المصري على أنه “من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو أجلاً يعد قاتلاً بالسم أيا كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالإعدام”، حيث يدرج بعض الفقه الجنائي المصري نقل عدوى الايدز بالتعمد الى الغير ضمن نطاق جريمة جناية التسميم لأن المشرّع لم يحدد المادة السامة، عليه يجوز اعتبار الإيدز من المواد السامة القاتلة(16)، ومع ذلك نرى أنه يصعب معاقبة الجاني بهذه الجريمة لأن جناية التسميم لا تتناسب وعدوى الايدز، لأن الايدز لا يعتبر مادة سامة ولا يشعر بها المجني عليه بإعراض هذه العدوى الا بعد مرور فترة من الزمن والتي هي في بعض الاحيان تصل لعدة سنوات على عكس المادة السامة والتي غالبا تظهر اثارها خلال فترة قصيره جدا وتتحقق النتيجة وقد يتم الشفاء منها اذا ما تم نقل المجني عليه الى المستشفى والعلاج منها.

المصادر والهوامش:

1- الاية  93 من سورة النساء.

 2- الاية 58 من سورة الاحزاب.

3- د. احمد حسني احمد طه، مرجع سابق، ص 35 وما بعدها.

4- د. احمد حسني احمد طه، المرجع السابق، ص35  وما بعدها.

5- ابراهيم سعد الهويمل، مرجع سابق، ص81 وما بعدها.

6- فرق المشرّع البحريني بين مرض الإيدز وفايروس الإيدز، ففي المادة الاولى من القانون رقم (1) لسنة 2017 نص على أن المرض هو متلازمة النقص المناعي المكتسب وهي مجموعة أعراض وعلامات مرضية تنتج عن ضعف جهاز المناعة في جسم الإنسان. أما الفيروس فهو الفيروس المسبب لمرض الإيدز.

7- حسنا فعل المشرّع اليمني عندما جرّم كل فعل أو امتناع ضد اية مريض بفيروس الإيدز يشكل تمييزا ضدهم او يهدر كرامتهم او حقوقهم او استغلالهم بسبب هذه العدوى وتكون العقوبة حينها الحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التي لا تقل عن مائة الف ريال يمني. للمزيد راجع المادة (37) من القانون رقم (30) لسنة 2009 بشأن وقاية المجتمع من الإيدز وحماية حقوق المتعايشين مع الفيروس.

8- السيد عتيق، المشاكل القانونية التي يثيرها مرض الإيدز من الوجهة الجنائية، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2000، ص157 وما بعدها.

9- نصت المادة الأولى من قانون تحديد الامراض الانتقالية رقم (1) لسنة 2007 على أنه “تحدد الامراض الانتقالية في المجموعات الآتية: اولا: المجموعة الاولى: أ- الكوليرا، ب- الشلل الرخو الحاد وشلل الاطفال، ج- متلازمة العوز المناعي المكتسب (الايدز) ….”

10- نصت المادة (406) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه “1. يعاقب بالاعدام من قتل نفسا عمدا في احدى الحاالت التالية:  أ- اذا كان القتل مع سبق االصرار او الترصد، ب- اذا حصل القتل باستعمال مادة سامة، او مفرقعة او متفجرة، ج- اذا كان القتل لدافع دنيء او مقابل اجر، او اذا استعمل الجاني طرقا وحشية في ارتكاب الفعل، د- اذا كان المقتول من اصول القاتل، هـ- اذا وقع القتل على موظف او مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته او خدمته او بسبب ذلك، و- اذا قصد الجاني قتل شخصين فاكثر فتم ذلك بفعل واحد، ز- اذا اقترن القتل عمدا بجريمة او اكثر من جرائم القتل عمدا او الشروع فيه، ح- اذا ارتكب القتل تمهيدا لارتكاب جناية او جنحة معاقب عليها بالحبس مدة لا تقل على سنة او تسهيل ارتكابها او تنفيذا لها او تمكينا لمرتكبها او شريكه على الفرار او التخلص من العقاب، ط- اذا كان الجاني محكوما عليه بالسجن المؤبد عن جريمة قتل عمدي وارتكب جريمة قتل عمدي او شرع فيه خلال مدة تنفيذ العقوبة…”

11- وفي حالة كان الجاني بدء بتنفيذ الفعل المكون للجريمة ولم تتحقق النتيجة وذلك لسبب خارج عن إرادة الجاني حينها يتم مسائلة الفاعل عن الشروع بجريمة القتل العمد حسب المادة (30) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

12- د. احمد حسني احمد طه، مرجع سابق، ص59.

13- د. أمين مصطفى محمد، قانون العقوبات (القسم العام)، الأسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، الطبعة الأولى، 2013، ص274.

14- د. احمد حسني احمد طه، مرجع سابق، ص61.

15- واعتبرها المشرّع العراقي اذا تسببت جريمة الجرح والضرب والايذاء العمدي الى العاهة المستديمة أو الموت من الجنايات والتي تستوجب عقوبة اشد من الجرح والضرب البسيط حسب المادة (412) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.

16- تبنى القضاء الفرنسي جريمة الغش بتقديم سلعة، لمعاقبة الجاني الذي قام بنقل الدم الملوث بالإيدز الى مجني عليه، وعليه يتم معاقبة الجاني وفقا للمادة الأولى والثانية من القانون الصادر سنة 1905 بالحبس مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر الى سنتين اضافة الى الغرامة التي لا تقل عن الف فرنك فرنسي ولا يزيد عن مائتان وخمسون الف فرنك فرنسي إو باحدى هاتين العقوبتين كل من خدع أو حاول خداع المتعاقد في صلاحية استعمال المستحضر والمخاطر المتصلة باستخدامه والرقابة المعمول بها وطرق الاستعمال والاحتياطات الواجب اتخاذها، للمزيد راجع د. احمد حسني احمد طه، مرجع سابق، ص66 وما بعدها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *