– رفض عائلة محبوبته لطلب خطبة ابنتهم، هو السبب الرئيس الذي دفعه الی الانخراط في السلك العسكري

 

رفض عائلة محبوبته لطلب خطبة ابنتهم، هو السبب الرئيس الذي دفعه الی الانخراط في السلك العسكري

 

ضياع الحبيب جرح لا يندمل، والامرّ منه هو السخرية من الاخرين بسبب فقرهم ورثاء حالهم

 

 

 

 

الحب والارادة

 

د. عدنان عبدالله رشيد

كلية القانونجامعة تيشك الدولية

تقول بعض المصادر ان عبدالكريم قاسم لما كان معلماً في قضاء الشامية في السنة الدراسية 1931-1932، وقع في حب معلمة زميلة له، وعندما اراد ان يخطبها من اهلها، رفضوه لأنه مجرد معلم، وكان اهل الحبيبة يأملون ان تتزوج ابنتهم من ضابط عسكري، حيث كان يتمتع بهيبة ومكانة خاصة في المجتمع العراقي آنذاك.

اود الاشارة الى ان رفض عائلة محبوبته لطلب خطبة ابنتهم، هو السبب الرئيس الذي دفعه الی الانخراط في السلك العسكري، وهو ايضا ادی به ان يركب المخاطر للقيام بحركته ضد الملكية، وكل ذلك ليثبت لحبه الاول انه قادر علی ان يصل الی المكانة التي طلبوها منه، بل وان يصبح الشخصية الاولى في العراق.

تمر السنين، وحبه لتلك المعلمة لا تفارق باله، ولذلك اعتاد بعد تسنمه لحكم العراق ان يزور المدارس، او ان يدعو الكادر التعليمي للمدارس بأن يزوره في وزارة الدفاع، عله يلتقي محبوبته مرة اخری، وفي احدی تلك الزيارات التقی بتلك المعلمة، لكن خاتم الزواج كان يلمع في اصبعها. ومنذ ذلك اليوم عزف عن زيارة المدارس واستقباله للكوادر التعليمية، بل انه عزف حتی عن الزواج، وتكدرت نفسيته كثيراً. وقد ظهر ذلك واضحاً علی تصرفاته وسلوكه، وما توجهه نحو العنف تجاه زملائه الضباط إلا دليل علی ما نقول.

واذا اردتم نموذجاً لما يصنع الحب الفاشل بالمرء، فطالعوا قصة موسی المعماري الذي توفي العام الماضي في لبنان. وقصة هذا الرجل انه عندما كان مراهقاً باح لزميلته الغنية في المدرسة بحبه لها، لكنها سخرت منه وقالت انها ستتزوج الذي يملك قصراً وانت مع الأسف لا تملكه. اثر ذلك الكلام عليه وبدأ يبدو شارداً في الصف ويرسم المخططات والصور للقصر الذي ينوي ان يبنيه حتی ترضی به معشوقته، وفي احدی المرات ضربه المعلم ضرباً مبرحاً وقال له ساخراً بعدما علم منه مشغوليته بفكرة بناء القصر: انت لست مؤهلاً لأي شئ، فأنت فاشل.

ترك موسی المعماري المدرسة بدون رجعة وبدأ بتنفيذ فكرته، حيث استدان بعض المال واشتری ارضاً وبدأ ببناء قلعته، واستغرق اتمامها 60 سنة، شيدها بيديه. وعندما تم مشروع القصر كما خطط له، اراد ان يظهر لمحبوبته انه ليس فاشلاً، وعلم ان (سيدة)، وهذا هو اسم معشوقته قد تزوجت وتعيش في الولايات المتحدة الامريكية، فاتفق مع ابنة عمه التي تعيش كذلك في الولايات المتحدة الامريكية علی ان تقنع (سيدة) لزيارة لبنان وزيارة قلعته التي سماها (قلعة موسی)، بدون ان تخبرها من هو مالك القلعة. وبالفعل زارته (سيدة) وذهلت لما رأت القلعة وعرفت ان بانيها هو المراهق المشاغب، والتقته بعد 67 سنة من الفراق وترقرق الدمع من عينيها.

هذه القصة رواها موسی في كتابه (حلم حياتي)، وتعد القلعة الآن معلماً سياحياً بارزاً في لبنان، وقد زرتها بنفسي واطلعت علی محتوياتها من كل انواع الاسلحة الخفيفة والتي تعتبر بمثابة متحف تاريخي للاسلحة، بالاضافة الی تضمينها بالدمی المتحركة علی هيئة اناس حقيقيين من جميع الطبقات والتي تروي قصة الحياة في لبنان ماضياً. وقد خلد موسی حادثة ضرب المعلم له في احدی زوايا القلعة.

ضياع الحبيب جرح لا يندمل، والامرّ منه هو السخرية من الاخرين بسبب فقرهم ورثاء حالهم. لأن الانسان كائن غامض ملئ بالطاقة والقوة، ولا يحتاج إلا الی شرارة لينفجر، إما لاسقاط الحكومات وتغيير الانظمة او لبناء القصور والقلاع.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *