التحكيم التجاري الدولي في القانون العراقي واقليم كوردستان العراق

    أ.م.د عبدالباسط كريم مولود

     جامعة  تيشك الدولية – اربيل

 

 

 

يفضل التجار في عصرنا الحالي الاتفاق على احالة منازعاتهم الى محكمة مع تعيين المكان الملائم لاجراء التحكيم والقواعد الواجب تطبيقها، فيتقون التقاضي العادي، يضاف الى ذلك ان التحكيم يقوم على فلسفة تناسب الطابع العملي للتجارة، ومن الملاحظ في مجال التجارة الدولية انه قلما يخلو عقد من شروط على التحكيم. وجاءت منظمات دولية عديدة وفي مقدمتها غرفة التجارة الدولية لتضع في خدمة التجارة والشركات التجارية انظمة للتحكيم وجهات للاشراف عليه، كما ابرمت جملة اتفاقيات دولية لتوحيد قواعده، حتى صار التحكيم التجاري الدولي الاجباري والاختياري من مظاهر الفكر القانوني الحديث، واداة لتنشيط التجارة الدولية

وللبحث عن هذا الموضوع في التشريعات العراقية واقليم كوردستان ، يتطلب بيان القواعد القانونية ذات العلاقة بهذا الموضوع وعلى الشكل الاتي

اولاً- النظام القانوني العام للتحكيم في العراق

اجاز المشرع العراقي التحكيم الوطني في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل وفي المادة (251)منه، اللجوء الى التحكيم في المنازعات المتعلقة بتنفيذ عقد معين في اطار التحكيم الوطني وليس الدولي. وفي نفس الاتجاه تناولت (الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية- العراقية) وفي المادة (69)، منها امكانية تسوية النزاع بواسطة التحكيم الوطني، واما بالنسبة للاحكام الصادرة عن المحاكم الاجنبية علينا ان نرجع الى القانون الصادر بهذا الشأن رقم (30) لسنة (1928) ويشمل هذا القانون تنفيذ الاحكام القضائية في العراق وليست الاحكام الصادرة عن التحكيم التجاري الدولي

وفي ما يخص القانون المدني العراقي باعتباره شريعة عامة للعلاقات التعاقدية وبدلالة المادة (25) من القانون المدني العراقي التي تقضي بانه تسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين اذا اتحدا موطنا، فاذا اختلفا يسري قانون الدولة التي يتم فيها العقد، هذا ما لم يتفق المتعاقدان او يتبين من الظروف ان قانونا اخر يراد تطبيقه. ويستمد الاتفاق المشار اليه اعلاه قوته من قاعدة الاسناد الوطنية التي تخول هذا الحق، ويتجنب المشرع عادة سرد التفصيلات التي تحد من سلطان الادارة ويترك للمتعاقدين حرية اختيار القانون الذي يحكم العقد من حيث الاجراءات اذا كانت في العلاقة العقدية عنصر اجنبي. حيث اصبح معروفاً التوقيع على عقود معيارية تتضمن شرط التحكيم التجاري الدولي باعتباره شرطا تقليديا ومن ذلك ما جاء في المادة (295) من القانون التجاري العراقي رقم (30) لسنة 1984 بشان البيوع الدولية حيث تقضي لطرفي العقد ان يتفقا على احكام غيرها اذا اقتضت ذلك ظروفها الخاصة او متطلبات التعامل الدولي، سواء ما تعلق منها بالقانون واجب التطبيق او المحكمة المختصة في النظر بالنزاع، واجازت المادة 297 من القانون نفسه للمتعاقدين فيما يتعلق بالشروط التفصيلية للبيع ان يحيلا الى احد عقود البيع النموذجية والذي يتضمن شروط التحكيم التجاري الدولي في اغلب الاحوال

بناء على ما تقدم وما استنتجناه من ثنايا قواعد قانونية مبعثرة في قوانين عديدة يمكن القول بامكانية اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي، لأنه خاضع في الاصل لمبدأ سلطان الارادة وبامكان النص عليه في عقد الاستثمار

 

ثانياً- النظام القانوني الخاص بصدد التحكيم في العراق

بعد سقوط النظام في العراق في عام (2003) وبموجب الدستور العراقي الجديد الصادر  في عام (2005) جعل الدستور (تطوير الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار) من المبادئ الدستورية الواجب الالتزام بها من قبل الدولة، وفي هذا السياق اجاز المشرع في قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 امكانية اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي حيث اشارت المادة (27) المعدلة بالقانون رقم (50) لسنة 2015 على انه (اولاً- تخضع المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون الى القانون العراقي وولاية القضاء العراقي ويجوز الاتفاق مع المستثمر على اللجوء الى التحكيم التجاري – الوطني او الدولي – وفق اتفاق يبرم بين الطرفين يحدد بموجبه اجراءات التحكيم و جهته والقانون الواجب التطبيق)

كما اجاز المشرع نفسه ايضاً اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (1) لسنة (2008) وتعديلاته حيث اشارت المادة (11) الفقرة اولا البند (د) على انه ( لجهة التعاقد اختيار التحكيم الدولي لفض المنازعات على ان ينص ذلك في العقد وعندما يكون احد طرفي العقد اجنبيا مع الاخذ بنظر الاعتبار الالية الاجرائية المتفق عليها في العقد عند تنفيذ هذه الطريقة وان يتم اختيار احدى الهيئات التحكيمة الدولية المعتمدة لحسم النزاع)

وفي اقليم كوردستان – العراق نصت المادة (17) من قانون الاستثمار في اقليم كوردستان لسنة (2006) على انه (تحل المنازعات الاستثمارية وفق العقد المبرم بين الطرفين وعند عدم وجود فقرة فيه بهذا النص تحل بطريقة ودية وبتراضي الطرفين وفي حالة الحل الودي يجوز للطرفين اللجوء الى التحكيم المبيّنة احكامه في القوانين المرعية في الاقليم او وفقا لاحكام تسوية المنازعات الواردة في اي من الاتفاقيات الدولية او الثنائية التي يكون العراق طرفاً فيها)

عليه يمكن القول بان المشرعين العراقي والكوردستاني اجازا وبصورة صريحة في قانون الاستثمار في العراق واقليم كوردستان بامكانية اللجوء الى التحكيم التجاري الدولي

وعن الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص انضم العراق لبروتوكول جنيف بشأن التحكيم التجاري الدولي لعام 1923 والذي يعترف بموجبه بمشروعية شرط التحكيم في عقد تجاري دولي، ووردت التسمية لهذا البروتوكول ضمن التشريعات العراقية على انه (بروتوكول في صور التحكيم) وان هذا البروتوكول كان لا يسمح بتنفيذ قرارات التحكيم في العراق مالم تكن صادرة فيه

وصدر بعد ذلك اتفاقية نيويورك في عام 1958 والخاصة بالاعتراف وتنفيذ التحكيم الاجنبية عن المنازعات التجارية والاستثمارية، ولم ينضم العراق اليها لحد الان بالرغم انها تعد اهم المواثيق الدولية المعترف بها من قبل (157) دولة لغاية 2017 ومن بينها (15) دولة عربية

وبسبب النشاط الاستثماري للشركات الاجنبية في العراق بعد عام (2003) انضم وصادق العراق على اتفاقية تسوية نزاعات الاستثمار بين دول ومواطني الدول الاخرى وهي اتفاقية واشنطن لعام 1965 من خلال القانون رقم (64) لسنة 2012

تأسيساً على ما تقدم ولعدم وجود تشريع مستقل وخاص بالتحكيم التجاري العراقي بات ضرورياً ان يصدر هذا التشريع للحاجة الماسة اليه في حسم النزاعات الاستثمارية والتجارية مما يشجع ذلك على المزيد من المحفزات للشركات الاجنبية للاستثمار في العراق بسبب آليات واجراءات التحكيم التجاري الدولي والتي تكون اسهل بكثير من اجراءات التقاضي العادي

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *