مراحل تطور القانون الدولي

 

 

هاشم محمد عريبي

المرحلة الثانية

قسم القانون

جامعة تیشك الدولیة – اربیل

إن النصوص القانونية منذ نشأتها تمر بمراحل و فترات و احداث تقوم هذه النصوص القانونية بالتأثر بها، فالقانون الدولي هو القانون الذي يتناول تنظيم العلاقات بين اشخاص القانون الدولي. فهنا يكمن تساؤل كيف توصل القانون الدولي الى المرحلة الذي هو عليها الآن؟ و ما هو دوره في المجتمع الدولي؟

في بادئ الأمر يجب التطرق إلى الأحداث التاريخية الدولية التي ساهمت في ظهور القانون الدولي العام و تطوره. فعند دراسة الظاهرة التاريخية للقانون الدولي نرجع الى عهد حضارة وادي الرافدين، فقد تم إيجاد لوح حجري “يعود الى تلك الفترة” نُقِشَ عليه باللغة المسمارية معاهدة بين حاكم مدينة لكش مع ممثلي شعب آما، و تنص هذه المعاهدة على إحترام الحدود و حرمتها و تطبيق التحكيم بين الأطراف المتنازعة بين الشعبين فهنا يتبين لنا ان هنالك مفهوم للقانون الدولي منذ قديم الزمان لكن بمفهوم مختلف عن المفهوم الذي كتواجد في عصرنا هذا. لذلك سنتحدث عن واقعة أقرب لكي نُلاحظ التطور الذي حَلَّ على القانون الدولي مثل المعاهدات التي تم إبرامُها بين الدول البروتستانتية و الدول الكاثوليكية (و ذلك لإيقاف الحرب التي دامت لأكثر من ثلاثين سنة في أوروبا)في مؤتمر وستفاليا في سنة ١٦٤٨، فوضعت هذه الدول مجموعة قواعد لتنظيم العلاقات فيما بينها و تحقيق استقرار القارة. فهنا نلاحظ أن في هذه الحقبة مفهوم القانون الدولي اصبح أوسع و أكثر شمولاً من حيث الدول المشاركة كطرف في المعاهدة. لكن مع ذلك إن المعاهدة التي أُبرِمَت في مؤتمر وستفاليا لم تضع حداً للحروب و الصراعات في القارة، لذلك قامت الدول بإيجاد نوع جديد من التنظيمات الدولية للقارة و نرى كنتيجة للحروب النابليونية ظهر نظام دولي (بشكل مألوف مع ما نراه الآن من نظام دولي) وذلك لتوحيد مواقف الدول من هذه الحروب ومعالجة آثارها وسُمي بالمؤتمر الأوروبي، بحيث اصبحت الدول المُشارِكة تشترك في مؤتمرات بصفة شبه مُستمرة لتقوم بالتعبير عن رأيها و يتم رسم سياسة القارة و الحفاظ على إستقرارها. ومن ثم بعد ذلك ظهر نظام دولي جديد في سنة ١٨١٤ سُمي بالإدارة الأوروبية و من آثار هذا النظام الدولي مؤتمر فيينا الذي عُقد بعد معركة واترلو، إجتمعت الدول الحليفة آنذاك (روسيا، بروسيا، النمسا و بريطانيا) لإعادة التوازن في القارة الأوروبية، فتم إبرام معاهدة (في ظل هذا المؤتمر) على إعادة المملكة النمساوية و المملكة البروسية و ضم هولندا مع بلجيكا و إقرار حياد دائم لسويسرا و الإعتراف بتجزئة كُل مِن (بولونيا، بروسيا، روسيا و النمسا) و تم وضع بعض القواعد الدولية الخاصة، منها: ١- تحريم الإتجلر بالرقيق. ٢- تنظيم البعثات الدبلوماسية. و من ثم ظهرت وسيلة آخرى لتنظيم العلاقات ما بين الدول تسمى بالإتحادات الدولية، و تعتبر هذه مرحلة إنتقالية من ظاهرة المؤتمرات الدولية الى المنظمات الدولية التي نعرفها الآن. فمثال على هذه الحقبة الجديدة هي منظمة عصبة الأمم التي أُنشأت بعد مؤتمر باريس في سنة ١٩١٩ بإتفاق من الدول المشاركة في هذا المؤتمر و تكون هذه المنظمة دولية عالمية شاملة الأهداف حافظة للسِلم و الأمن الدولي. و في ظل (هذا للنظام الدولي المتطور الجديد) وضعت هذه المنظمة قانون عهد عصبة الأمم الذي يشمل أهداف تسعى هذه المنظمة إلى تحقيقها، و أيضا تم إنشاء محكمة دولية (حكمة العدل الدولية) للنظر في المنازعات القانونية التي تقوم بين الدول، و كذلك إنشاء ( منظمة العمل الدولية) لمتابعة ظروف العمال و وضع قواعد كفيلة لحمايتهم و تحسين مستواهم المعيشي في كافة الدول. لكن هذا النظام الدولي الجديد (عصبة الأمم) لم يستمر و ذلك بسبب مخالفة الدول العظمى العهود التي تعهدت بها و بعد ذلك إنسحبت من هذا النظام. و في سنة ١٩٣٩ إندلعت الحرب العالمية الثانية التي كلفت خسائر بشرية و مادية اعظم من خسائر الحرب العالمية الأولى. لكن بعد إنتهاء هذه الحرب إجتمع الحلفاء (الذين تغلبوا على ألمانيا و حلفائها من دول المحور) في عدة مؤتمرات ساعين لإنشاء نظام دولي جديد مزود بصلاحيات واسعة في سبيل تحريم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية. و الدول التي لديها عضوية في هذه المنظمة مُلزمة بقراراتها خاصة تلك القرارات التي تهدف إلى حفظ السِلم الدولي و الأمن الدولي و هذا هو الهدف الأساسي لقيام هذه المُنظمة. و تأسست هذه المنظمة سنة ١٩٤٥ و سُميت بالأمم المتحدة و أصبح ميثاقها (قراراتها) نافذ بصورة فعلية منذ ٢٤ تشرين الأول سنة ١٩٤٥. و من قرارات هذا النظام الدولي، الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة و الذي ينص على (يمتنع أعضاء المنظمة جميعاً في علاقتهم الدولية عن التهديد بإستعمال القوة أو إستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الأستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”)، و تم تطبيق هذه المادة من الميثاق في قرار صدر سنة ١٩٤٦ تدان به بريطانيا لقيامها بأعمال الإقتصاص في مدينة حرايب في اليمن بتاريخ ٢٤ آذار ١٩٤٦. فهذه المنظمة بينت و أثبتت دورها في حفظ السلام الدولي و الأستمرار بتحقيق أهدافها عم طريق قوانين يلتزم بها شخص القانون الدولي. فهي هنا أهميتها مشابهة لأهمية القوانين الداخلية، فبدون القوانين الداخلية لن يتواجد مجتمع مُنَظَم كما الذي نعرفه الآن، و بدون القوانين الدولية لتنظم العلاقات (ما بين أشخاص القانون الدولي) لتواجدت فوضى على نطاق دولي وليس إقليمي فقط

إعداد:

هاشم محمد عريبي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *