قراءة قانونية في تشكيل المحكمة التجارية في اقليم كوردستان

د. عبدالباسط كريم مولود(*)

 

أصدر مجلس القضاء في اقليم كوردستان البيان رقم (1) لسنة 2022 بتشكيل محكمة بداءة في كل منطقة استئنافية باسم ( محكمة البداءة المختصة بالنظر في الدعاوي التجارية)، ويعد هذا البيان خطوة متميزة نحو طمأنة التجار والمستثمرين بوجود قضاء تجاري متخصص لحسم المنازعات التجارية، لاسيما في الوقت الحاضر حيث يشهد الاقليم تطورا كبيرا في حركة التعامل التجاري والاستثماري والتحول نحو سياسة الاقتصاد المفتوح، وأصبح الاقليم ملاذاً آمناً لجذب كافة الانشطة التجارية والاستثمارية مما يستلزم تهيئة البيئة الملائمة لطمأنت التجار من خلال انشاء قضاء تجاري متخصص، بالذات بالنسبة لمن يحمل الصفة الاجنبية منهم للجوء اليه في منازعاتهم التجارية. ان طبيعة الدعاوي التجارية تتطلب المعرفة الفنية والخبرة القانونية المتخصصة في حسم المنازعات التجارية، وهذه غالبا قد لا تتوفر بصورة جيدة في محاكم البداءة في انواع معينة من الدعاوي التجارية، ولغرض تجاوز المشكلة المعروضة او التجاوب مع الدعوى المرفوعة، نجد بان مجلس القضاء في الاقليم بادر لأنشاء محاكم تختص بالنظر في الدعاوي التجارية.

إن المتمعن في قانون السلطة القضائية في اقليم كوردستان- العراق رقم (23) لسنة 2007 يجد أنه لم يتناول تشكيل المحاكم التجارية، ونتيجة لذلك فان الدعاوي التجارية تنظر فيها من قبل محاكم البداءة بجانب الدعاوي المدنية، وهذا يشكل ثقلا اضافيا عليها لان حسم المنازعات التجارية تتطلب توفر الخبرة في مجال القوانين الخاصة بالتجارة إضافة الى الالمام التام بقواعد عقود التجارة الدولية والاتفاقات والمبادئ الخاصة بالتجارة الدولية. وأمام هذا القصور استند مجلس القضاء في الاقليم على المادة (22) من قانون السلطة القضائية لاقليم كوردستان رقم (23) لسنة 2007 عند إصداره لبيان تشكيل محكمة البداءة في كل منطقة استئنافية تختص بالدعاوي التجارية. لكن بالنظر للواقع التجاري والاستثماري المتطور في اقليم كوردستان كان من الافضل ان يصار الى إصدار قانون بتشكيل المحكمة التجارية يتناول اجراءات التقاضي في جميع الدعاوي التجارية والاستثمارية بشكل اوسع مما عليه في البيان المذكور أعلاه، مثلما ذهب اليه المشرع المصري بتشكيل المحاكم الاقتصادية بموجب قانون المحاكم الاقتصادية المصري رقم (120) لسنة 2008، وكذلك الذي جاء في المرسوم الملكي لنظام القضاء السعودي  حسب المادة (9) من نظام القضاء السعودي رقم 78 لسنة 1428هـ، الذي تضمن إنشاء محاكم تجارية من ضمن المحاكم المتخصصة في السعودية.

من ملاحظاتنا على بيان مجلس القضاء، أنه قد ضيّق نطاق المحكمة التجارية من حيث الاشخاص الذين يحق لهم التقاضي، فقصرت (الفقرة الاولى) من البيان حق التقاضي أمام المحكمة التجارية بان يكون أحد أطراف الدعوى أجنبيا حتى ينعقد الاختصاص الوظيفي للمحكمة. كان الأجدر بالبيان أن يجعل اختصاص المحكمة مطلقا سواء كان أطراف الدعوى يحملان الجنسية العراقية أو أحدهما أجنبيا ، طالما كانت الدعاوي تجارية دون النظر الى جنسية أطراف الدعوى. ونستنتج مما تقدم، بان مجلس القضاء في الاقليم أخذ بالمعيار الشخصي فيما يتعلق بجنسية اطراف الدعوى، دون النظر الى المعيار الموضوعي الذي يجعل المحكمة مختصة بصورة مطلقة في حسم الدعاوي التجارية، وهذا ينسجم مع طبيعة المنازعات التجارية بصورة عامة لأنها تتطلب السرعة في انجازها.

ومن ملاحظاتنا الاخرى عن ما جاء في تشكيل المحكمة التجارية بانها مختصة في النزاعات الناتجة عن تطبيق قانون الاستثمار في اقليم كوردستان رقم (4) لسنة 2006 والعلامات التجارية، وهذا يعد طمأنة للمستثمرين الأجانب في الاقليم، ولكن استبعد في نفس الوقت جميع النزاعات التجارية عن الاعمال التجارية والتي لم ترد في قانون الاستثمار المذكور، وعلى سبيل المثال النزاعات التي تنشأ وفقا لقانون الاستثمار المعدني رقم (91) لسنة 1988، والمادة (5) من قانون التجارة العراقي رقم (30) لسنة 1984 النافذ، وهذا يشكل قصورا في بيان مجلس القضاء كان على المجلس معالجته.

 إن تشكيل المحكمة التجارية في الاقليم يعد أحد السبل الكفيلة بتحقيق السرعة في حسم المنازعات التجارية، لأنها تحدد اختصاص المحكمة بنوع معين من الدعاوي على خلاف الاختصاص العام لمحكمة البداءة التي تنظر لأنواع مختلفة من الدعاوي المدنية مما يؤدي الى زخم في الدعاوي المنظورة وطول الوقت في حسمها، وهذا لا يلائم روح التجارة ولاسيما إذا كانت الدعاوي على منقولات معرضة للهلاك او سريعة التلف، وكذلك في حالة تقلب الأسعار أو اذا كانت المحافظة على الشيء موضوع الدعوى تتطلب مصروفات باهظة، لذلك فان تشكيل المحكمة التجارية لجميع الاعمال التجارية والاستثمارية يتماشى مع السرعة والائتمان وهي من أهم مبررات وجود القانون التجاري.

وخلاصة القول، ان البيان الذي أصدره مجلس القضاء في الاقليم يساهم في تطوير القضاة  من خلال زجهم في دورات تدريبية داخلية وخارجية للاطلاع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتجارة الدولية والاعراف التجارية الدولية التي يصعب الوصول اليها من خلال القوانين الداخلية. ونؤكد، ان انشاء المحاكم التجارية في الاقليم وفقاً للبيان المذكور اعلاه له ما يكفي من المبررات التي تجعل منه البداية الاساسية نحو ارساء القضاء التجاري في الاقليم، ولكنها بداية غير مكتملة المعالم تتطلب نضج قانوني من خلال تشريع قانون لتنظيم المحاكم التجارية في الاقليم، من اجل مواكبة المستجدات والتطورات التجارية والاقتصادية.

 (*) أستاذ مساعد في القانون التجاري – كلية القانون – جامعة تيشك الدولية – اربيل

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *