الكرامة الانسانية في المواثيق الدولية

 

 

 

عبدالله شاخوان

لقد ادت نتائج وآثار الكوارث والمآسي التي خلفتها الحرب العالمية الثانية الى دق باب الضمير الانساني والرأي العام العالمي، مما استوجب النظر الى ضرورة العمل على حماية حقوق الانسان واحترام حرياته الاساسية. جاء ذلك من منطلق حقيقة التجاوزات الفاضحة بحق الانسان والانتهاكات الصارخة لحقوقه وعمليات هدر كرامته. وبالمحصلة فقد توجه المجتمع الدولي الى السعي نحو صياغة لائحة لحقوق الانسان وحرياته الاساسية وفق اتفاق واجماع دولي بهذا الاتجاه

 الاشارة هنا الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بكرامة الانسان وآليات صيانة حقوقه هي بالتأكيد تستند الى مجموعة مهمة من العهود والمواثيق الدولية، كميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ونرى من المهم التحدث عنها بشكل مقتضب من باب التعريف بها

ميثاق الامم المتحدة منذ اصداره عام (1945) اهتم بهذا الموضوع عبر تأكيده على ضرورة حماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية، ونص صراحة على الحفاظ على كرامة الانسان في ديباجة الميثاق “نحن شعوب الامم المتحدة والينا على انفسنا ان ننقذ الاجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الانسانية مرتين احزانا يعجز عنها الوصف، وان نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الاساسية للانسان وكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والامم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.” يوضح هذا النص المقتبس بان الشعوب التي ذاقت ويلات الحربين العالميتين الاولى والثانية اعترفت بالآثار السلبية والمدمرة لهما لذلك القت على عاتقها ان تجنب الاجيال القادمة ويلات الحروب، بهدف الحفاظ على كرامة الانسان بما تتضمن من حقوق وحريات اساسية. وبيّنت المادة (1) من الميثاق اهداف المنظمة لجهة تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا والتشجيع على القيام بذلك دون تمييز على اساس الجنس او اللون او اللغة او الدين. وتعهدت المادة (13) من ميثاق الجمعية العامة بمهمة وضع وتقديم توصيات بقصد تحقيق تلك الاهداف، فيما تلزم المادة (55- الفقرة/ج) من الميثاق، الامم المتحدة بنشر قيم احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية، مع مراعاة تلك الحقوق والحريات واقعا وفعلا. وتشير المادة (62) بان على المجلس الاقتصادي والاجتماعي تقديم توصيات ترمي تنفيذ المادة (55- الفقرة/ج)، بينما تقرّ المادة (68) تشكيل لجنة لتعزيز الحق واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية

بناء على ما سبق، ان نصوص ميثاق الامم المتحدة لم تضع قانونا لحقوق الانسان باستثناء الاشارة الى عدم التمييز، كما انها لا تلزم الدول الاعضاء بوضع قوانين محلية لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية والحفاظ على كرامته. وأيضا لم يتم تحديد عقوبات او انشاء جهاز لتنفيذ مواد اللائحة الدولية. وتعد المادة (56) فقط تمهيدا من جانب جميع الدول الاعضاء من حيث القيام منفردة او مجتمعة بما يجب من عمل لتحقيق الاهداف المنصوص عليها في المادة (55) من الميثاق. بالاضافة الى ذلك ان المادة (2- الفقرة/7) من الميثاق توضح بان ليس للأمم المتحدة سلطة التدخل في حال انتهاك حقوق الانسان في اية دولة وليس بمقدورها سوى اصدار توصيات وادانات حيال تلك الانتهاكات. ويعد هذا فراغا ينال من قوة وهيبة الامم المتحدة من حيث عجزها عن تطبيق نصوص الاعلان الواضح والصريح وسط المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان والحفاظ على كرامته، والتي اقرتها الجمعية العامة في 10/12/1948 باسم لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهي الاولى من نوعها على مستوى تاريخ البشرية. ويعد علامة تحول في تاريخ المجتمع الدولي، حيث اكدت ديباجته على ضرورة احترام كرامة الانسان وحماية حقوقه الاساسية وحرياته

ومن باب التأكيد على احترام الحقوق الواردة في اللائحة، فقد جاء في المادة (1) منه “يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الاخاء.” كما اهتم الاعلان العالمي بحماية حق الانسان في الحياة باعتباره احد الضمانات الاساسية لمبدأ الكرامة الانسانية وهذا ما اكدت عليه المادة (3) من الاعلان. ومنعت المادة (5) من الاعلان تعريض اي انسان للتعذيب او العدوان او المعاملات القاسية او الوحشية او الحط من كرامته وعلى هذا الاساس يجب النظر الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان كخطوة نحو الامام لتحقيق حقوق الانسان وتطبيقها، ويتميز عن الاعلانات التي صدرت قبله والتي تبنتها الجمعية العامة. هذا التمييز دفع عدد من الدول الي تضمين فقرات وبنود مختارة من الاعلان في نصوص قانونها المحلي الخاص بحقوق الانسان. وهناك اتفاقيات دولية معينة تضمنت جميع الحقوق الواردة في الاعلان، ولم ينتهي الامر عند تضمين الاعلان العالمي لحقوق الانسان على مبدأ الكرامة، بل تضمن العهد الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية الصادر عام (1966) والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر أيضا عام (1966) العديد من النصوص التي تؤكد احترام حقوق الانسان وكرامته. وقد وقّع العراق على الاتفاقيتين عام (1969) وصادق عليهما عام (1970) وبذلك اصبحا قانونين ملزمين للعراق ضمن اطار الحفاظ على حقوق الانسان وحرياته الاساسية. وتم التأكيد على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز او اتباع التفرقة العنصرية في المواد (1/2، 3، 27) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأيضا في المادتان (2، 3) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

كل الذي تم الاشارة اليه أعلاه ما هي سوى نقطة في بحر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشأن كرامة الانسان وحقوقه وحرياته، علاوة على ذلك، هناك المواثيق الدولية وايضا المواثيق الاقليمية بين الدول ذات المصالح المشتركة من اجل تعزيز احترام حقوق الانسان. المجتمع الدولي وكافة الدول مدعوة للقيام بكل ما لديهم من قوة لتفعيل ارادة الحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه والاهم من ذلك تنفيذ هذه الاتفاقيات، ومن اولويات مهام الامم المتحدة والمنظمات الانسانية تكثيف جهودهم من اجل نشر الوعي لجهة الحفاظ على الانسان وصيانة كرامته

 طالب ماجستير

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *