هل هي بالمكان ام بالعقول؟


مصطفى سمير مصطفى

المرحلة الرابعة-قسم هندسة الكومبيوتر-جامعة تيشك الدولية – أربيل

أكتب فتسخر مني حروفي وتنتقدني عندما تكون في جمع متراص. جرب الآن ان تكمل كتابة السطر الذي تتخيل وجوده اينما تحط مخيلتك على الورقة. ربما هي ليست بالعقول بل بالمكان، إذن هي غرفتي هي التي تخنق كلمات وتمنع كتابة ما اريد ومتى ما اريد. جعلني ذلك أبغض الذهاب الى المكتبة حيث يجب عليّ ان استقل الباص العمومي ثم على الاقدام تحملني مخاوفي، “هل سأرضى عن ما اكتب؟ هل سأكتب شيئاً حتى وأن كانت خواطر عابرة؟ هذا الصوت.. صوت الموسيقى التي أسمعها دائما قبل دخولي المكتبة ومنذ صعودي الباص وأثناء كتابتي، كان يساعدني على تقمص الجو العام للفصل الذي اكتبه.

أحياناً أكون سعيدا او مصاب بلوعة الحب او خائفاً من شيء ما كان او سيحصل.. الموسيقى لا تخفي ضجيج افكاري في الخلفية، هي فقط تبرزها وتحفزها أكثر. اجلس الآن واطلب طلبي المعتاد، قهوة وماء، لا أحب القهوة لكن اشربها طمعاً في النشاط الذي يعتريني مقابل مرارته، وكذلك الحياة. الآن سأجلس امام الحاسوب أَتفكر واكتب واراجع ثم اخطط للفصل القادم كيف يجب ان يبتدأ، انها العملية المعتادة لي دائما وابداً، لكن تظل غير كافية لي، على هذا النهج لن انهي روايتي حتى العامين القادمين. لما لا يمكنني الكتابة في غرفتي حيث منزلي و أسرتي؟ ليس وكأنه يعج بالضجيج الدائم، لكن عقلي ليس معي حينما أكون معهم، معهم اقصد حيطان غرفتي والباب الذي يرفض ان يغلق من اول محاولة، وأقصد ايضاً الكرسي المريح ليس عكس الذي اجلس عليه في المكتبة، وأزيد قصدي بطاولة المكتب الواسعة والمرآة التي خلفي، أبغض النظر للمرآة التي خلفي، لا أرتاح لفكرة انها تراقبني من الخلف وحينما أستدير اجدها تقلدني كأنها انا، أنا لا يحب أنا بعض الأحيان، بالمكتبة احب نفسي وفي غرفتي وبين أصدقائي لا احبها، لا تمثيلاً مني معهم ومع نفسي حيث غرفتي مع راحتي ووحدي، لكن وحدي امام حاسوبي ورفوف الكتب تسترق النظر حول ما اكتب وهي التي تعطيني طاقة ودافع لأنهي فصلاً في اليوم الواحد، نعم، أنا اقوى وحر طليق حيث هناك.. هناك أحب نفسي وهنا أكرهها. اغار احياناً من الذين يستطيعون الكتابة في أي مكان و أي وقت بينما يصغون الى كُل شيء ولا شيء، عكسي تماماً هم. هل هذا معناه أنهم أمهر مني لأنهم أكثر تكيفاً؟ أعني.. لا أدري.. لهم نصيبهم ولي نصيب، لديهم الامكانية على أشياء ولي إمكانية ليست لهم على أشياء أخر، هم قرأوا الكثير أنا كررت قراءتي لما لدي من قليل، اعرف بعضهم يمكنه ان يطبع كتابه ويجد خليله من اشباهه ويتفلسف ويقول ما كَتبَ لجمعٍ غفير من الناس، أريد ان أكون أحسن منهم، لا غيرةً عليهم بل على نفسي..

لمن اكتب ولمن هم يكتبون؟ قد نتشابه في هذا، اما في مسألة لِما، تتغير الحال، أكتب لأني.. اه، لست بمختلفٍ عنهم… بماذا كنت أفكر؟ لماذا كنت سأكذب على نفسي؟ فما انا الا طيف عشوائي يحاول ان يكون شيئاً، عشوائية تصارع عشوائية لتكتب شيئا، ها انا ذا، عشوائية داخل غرفتها تكتب هذه المقالة، أنا افهم نفسي الآن، بعض الشيء هه، من انا حتى احكم واتكلم، لو توقفتُ عن التذمر وكتابة الحجج وركزت في كتابة روايتي الآن، لكنت انهيت فصلاً كاملاً وانا لستُ في المكتبة! ما أعظم مصيبة الانسان وكيف له ان يزين افعاله وافكاره بترّهات، والاعظم ان يأتي الاخرون ويحيونه على ترهاته، ترهاتٌ ستضل قائمة ما لم يأتي أحد وينقضها او يزيدها سوءً، هل من اجل ذلك يجب علينا ان نكتب؟ لا، هذا فقط شيءٌ من أشياء كثُر وجبت علينا لأننا نكتب.

ستكون خاسراً إذ استطعت ان تكتب ولم يكن جزء من اهدافك هي دحض الترهات، ستكون فقط كاتباً تكتب، لا عملاً قيما ولا فكرةٌ تغير شيئاً، ستصدر منك، فقط كاتب يكتب، الجميع يستطيع ما باستطاعتك أنت، ما الفرق بينك وبينهم ان لم تهدف الى التغيير؟ ما الفرق ان كتبت عن ما كتبوا هم ولم تزد عنه شيئا سوى اختلاف شخصيتك وزمان ولادة افعالها، هنيئا لك نعيم الجهل إذن إذ ما رضيت وكتمت عن التضمين وإبداءُ الفائدة والرسالة في كتاباتك… كَثُرَ ما كَتَبتُ وانا في غرفتي، هه، هي ليست بالمكان بل بالعقلِ إذن، العقل هو مصدر كل شيء في النهاية لا المكان. هم لا يصدون جسدك، بل فقط عقلك عن ما هو خارج سجنك، بهذا يضمنون عقابك. ضعفك يبان لحظة تحججك ببيئتك ومكانك.. ستخسر ما ستكون عليه ان رضيت بما لا يجب ان تكونه.

 إذن كما قلت، هي ليست بالمكان بل بالعقل. كل هذا كُتِب وانا في أكثر مكان صَدَقتُ انهُ يمتص ما فيَ من ابداع من استرسال في الكتابة، هي فقط لحظة واحدة لا تستمع فيها الى حججك واعذارك، بل تقوم بل حكم عليها وتغتص جوف باطلها فتمنعها عن التحجج، ثم بعد ذلك، لا يوجد من يوسوس لك داعي افعالك. هنيئاً لمن عرف نفسه وعَمِلَ بها بما هو حقٌ عِنده.

كُتبت بعفوية في ليلة واحدة، كنت فيها أتحجج عن توقفي عن الكتابة بسبب عدم ذهابي الى مكان يسرُ بي، ثم ايقنتُ بعفوية ايضاً ان من له قدرة على الكتابة، لا حجة له اين يكتب ولمن يكتب وماذا يكتب.  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *