الاسرار التجارية في القانون العراقي

أ.م.د. عبدالباسط كريم مولود

 استاذ القانون التجاري المساعد-جامعة تيشك الدولية – أربيل

شهدت السنوات الأخيرة تطورات هائلة في العلاقات الدولية على المستوى الاقتصادي والتجاري، أوجدت الكثير من العلاقات القانونية المتشابكة والمعقدة، ولما كانت الأسرار التجارية تعتبر من المحاور المهمة في النظام الاقتصادي العالمي، كان لابد لها أن تتأثر بهذه التطورات وتؤثر فيها، ونظراً لسهولة نقل المعلومة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة على مستوى العالم، فقد أصبحت الأسرار التجارية عرضة للاعتداءات المتكررة نتيجة للقصور التشريعي ولعجز التشريعات التي كانت نافذة، مما حدا بالدول إلى تطوير تشريعاتها لتستوعب تلك التطورات، وتؤسس لنظام قانوني يغطي كافة الثغرات التي كانت موجودة.

 لهذه الأسباب فقد شهدت السنوات التي تلت إقرار اتفاقية تريبس (اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة ضمن إطار منظمة التجارة العالمية)، تشريع الكثير من القوانين المنظمة للأسرار التجارية في الدول. وقد استخدمت اتفاقية (تریبس) مصطلح (المعلومات غير المفصح عنها) بدلاً من الاسرار التجارية في المادة (39) منها، وأدخل هذا الاصطلاح لأول مرة في التشريع العراقي في الفصل الثالث مكرر الذي أضيف إلى قانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية رقم (65) لسنة 1970. وبموجب التعديل الذي أضافته سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) بالأمر رقم (81) لسنة 2004 ونشر في جريدة الوقائع العراقية في العدد (3983) حزيران 2004 حيث جاء وبموجب هذا التعديل حق الأشخاص الطبيعية والمعنوية صلاحية حبس المعلومات بصورة قانونية إذا كانت هذه المعلومات تتصف بما يأتي:

1-سرية بمعنى انها غير معروفة عموماً.

2-لها قيمة تجارية لأنها أسرار.

3-خاضعة لمراحل حسب أوضاع الشخص الذي يحوز المعلومات بصورة قانونية لحفظها سراً.

إن ما جاء في التشريع العراقي حسبما تقدم ذكره أعلاه عن المعلومات غير المفصح عنها (الاسرار التجارية) تناولتها المادة (39/2) من اتفاقية (تریبس) من حيث الشروط المطلوبة لتمتع المعلومة أو السر بالحماية القانونية، وهي نفس الشروط نقلت إلى القانون العراقي الصادر بأمر سلطة الائتلاف (المنحلة) رقم (81) لسنة 2004.

بالرغم من تناول المشرّع العراقي للاسرار التجارية كما تقدم، إلا أنه لم يعرفه ولم يقر لحد الآن نظاماً قانونياً خاصاً بتملكها أو حيازتها وقد ترك الباب امام الفقه مفتوحا لتعريفها. حيث قدم الفقه تعريفات عديدة ومن بينها يعرف جانب من الفقه الاسرار التجارية بأنها المعلومات التي تكون نتيجة جهود كبيرة توصل إليها صاحبها واحتفظ بسريتها، ويكون لها قيمة اقتصادية تنشأ عن هذه السرية، مثل التصاميم أو المعلومات الفنية أو البرامج، التي تتضمن معارف فنية لها قيمة فنية بذاتها، أو أساليب وطرق صناعية. ويمكننا القول بأن وضع تعريف محدد للأسرار التجارية أمر صعب وخلاصتها أنها لا تعدو أن تكون معلومات أو صيغ أو تقنيات ذات أهمية اقتصادية ويحتفظ بها صاحبها سراً من خلال اتخاذ إجراءات لحمايتها ودون استخدامها من قبل الغير للمحافظة على قيمتها الاقتصادية.

السرّ الصناعي هو الآخر لا يوجد له تعريف في التشريع العراقي ويشترط في السرّ الصناعي أن يكون السرّ له بصمة واضحة في مجال التصنيع أو في مجال الاعداد أو التمويل في تصنيع المواد الأولية أو المنتجات النهائية، ويحتفظ به صاحبه خفية عن منافسيه، مثل طرق الإنتاج والمركبات الكيميائية.

أما فيما يخص الاسرار الخاصة بالشركات لم يتطرق إليها قانون الشركات العراقي رقم (21) لسنة 1997 المعدل، وبالمقابل نصت الفقرة (13/أ) من القسم الخاص من القانون المؤقت لأسواق الأوراق العراقية المالية، رقم (74) لسنة 2004، على أنه: يجب على الوسيط أن  يلتزم بالقيام بما يلي:

“أ-حماية المعلومات السرية التي تخص المستثمرين، إلا إذا دعت الحاجة للكشف عنها وفقاً للقوانين.” لذا نرى من الضروري القول بأن على المشرع العراقي أن يحدد بدقة ما يعتبر من الاسرار التجارية في قانون الشركات ووضع معايير لحمايتها بدلاً من الحديث عنها بصورة مختصرة في القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية.

وعند البحث عن الاحتفاظ بأسرار العمل في ثنايا القواعد القانونية في القوانين العراقية إضافة إلى القانون الذي تقدم بيانه، نرى بأنه يتوجب على العامل ان يحتفظ بأسرار العمل، فقد جرت العادة على تضمين عقود العمل شرطاً على عاتق العامل يتعهد فيه بالمحافظة على السرّية حتى بعد انتهاء العقد الذي بينه وبين رب العمل، فقد نصت المادة (909/هـ) من القانون المدني العراقي ما يلي “يجب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل الصناعية والتجارية، حتى بعد انقضاء العقد.” كما عاد المشرع العراقي بالنص على التزام العامل بعدم إفشاء أسرار العمل مرة أخرى في قانون العمل رقم (71) لسنة 1987 في المادة (35/أولاً)، حيث نصت: “يحظر على العامل أن يفشي الأسرار التي يطلع عليها بحكم عمله حتى بعد تركه العمل.” وذلك تأكيداً على أهمية هذا الالتزام. وحول عقد الوكالة التجارية لم نجد في قانون التجارة العراقي رقم (30) لسنة 1984 وقانون تنظيم الوكالة التجارية رقم (79) لسنة 2017 موقف المشرع العراقي بصورة واضحة عن مدى التزام الوكيل بالمحافظة على أسرار الموكل التي تصل إلى علمه بحكم الوكالة وبالمقابل نجد المشرع المصري أكثر وضوحاً وصراحةً في هذا المجال حيث جاءت في المادة (187) من قانون التجارة المصري لعام 1999، بأنه لا يجوز لوكيل العقود التجارية أن يذيع أسرار الموكل التي تصل إلى علمه بمناسبة تنفيذ الوكالة ولو كان ذلك بعد انتهاء العلاقة العقدية.

وتأسيساً على ما تقدم اعلاه، نأمل من المشرع العراقي أو يأخذ هذا الموضوع باهتمام أكثر وتنظيمه بصورة قانونية واضحة مستقبلاً.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *