نظمت هذه القصيدة وأنا واقف على ضفاف نهر النيل في الخرطوم عندما دعيت لجامعة الخرطوم، كلية الهندسة والعمارة كأستاذ زائر في أيلول 1998 حيث أن نهر النيل مجاور لجامعة الخرطوم، وكان نهر النيل قد حصل فيه فيضان كبير وصل الى الجامعة بعد موسم أمطار هائلة لم تمر على السودان لفترة خمسين عاما. لذلك شاع في وقتها أن رِجل (قَدَم) الدكتور حامد العيساوي خضرة على السودان بحيث جلبت عليهم نعمة الأمطار. ومن نوادر الصدف انني كان قد مضى عليَّ حوالي تسع سنوات لم أنظم بها اية قصيدة قبل هذه القصيدة، مما يعني أن نهر النيل ومياهه الدافقة كانت قد حركت في مخيلاتي الوحي الشعري لدي. فيما يلي القصيدة التي كتبتها في الخرطوم:
وقفتُ اديرُ الطرفَ والقلبُ راجفٌ أزفُ ضفافَ النيلِ بالنظراتِ
فحركني الاحساسُ شوقاً وقادني الى دجلةَ الفواحِ بالنفحاتِ
الى مائهِ العذبِ الطهورِ وجسرهِ الى لذةِ المسكوفِ والنسماتِ
تراني كما الأطيارُ تحنو لعشها أتوقُ فعشقُ الأرضِ خيرُ سماتي
احدقُ بالعينينِ حولي لكي أرى توالي عُبابَ الموجِ في عبراتِ
وأسمعُ بالأذنينِ لحناً موأطراً يدغدغُ بالأشواقِ في نغماتِ
وأسألُ أمواجاً من النيلِ اذ غزتْ أحاسيسَ أشواقٍ تغورُ بذاتي
أقولُ هلا يا نيلُ جُدلي بنسمةٍ عَذوبٍ بها منْ نفحةٍ لفراتي
وعِبقا بأرياحِ الطُيوبِ تحركتْ تُغذي شِغافَ القلبِ والقنواتِ
تجاوبني الخرطومُ والصوتُ مترفٌ رخيــــمٌ غزيــــرُ النُبلِ والنبراتِ
وتنطقُ أم درمانُ قولًا مؤصلاً شَجيَّ النوايا يُطفئُ الحَسَراتِ
تقولُ اذا ما لطابياتُ مَرَرْتُها فَتُفحِمُني فـــــي أبلغِ الكلماتِ
أضِقْتَ بنا ذَرعاً ونحنُ جَناحُها فبغدادُ والخرطومُ في المُـقُلاتِ
فقلتُ بلى واللهِ بَيتي ومسكني لَأَنتُمْ ولكـــنَّ الشجـــونَ أَواتِ
فَتُلهبُ فيَّ الشوقَ لِلأمسِ ناظراً لِوَقْعِ الخُطىْ من سابقِ السنواتِ
وتَشحنُني بالحبِ والقلبُ عاشقٌ أسيرُ الهَوىْ مُتَعَثِرُ الخَطَواتِ
يَشُدُّ بِيَ التَشواقُ حَيثُ رُبوعِها و تَغمُرُنيْ الأَحزانُ في السَهَراتِ
سَلِمْتِ أَيا بَغدادُ اِذْ كابَرَ العِدىْ وَما أوغَلَ الطاغونَ في الطَعَناتِ
سَتَبْقَينَ عِزَّ العُربِ بَيتاً مُحَصَّناً حَمَتْكِ جُنودُ اللهِ في السَمَواتِ
فأنْ عُبّئَ الأنذالُ حقداً وغيضةً أتَتكِ جموعُ العُربِ بالصلَواتِ
زَهَوْتِ اذا ما لغَيرُ فاضَ اناؤُهُمْ سُموماً وَاذْ لاذوا لِعَصرِ سُباتِ
وَكنتِ كَما في الأمسِ حِصناً مُؤَزّراً وبيرقَ نَصرٍ أبيضَ البَصَماتِ
أتيتُكِ والأشواقُ حُبلى يَشُدُنيْ اليكِ عِناقٌ مُرهَفُ الخَلَجاتِ
وَأسدَلْتُ أحقابَ الفِراقِ بِنَظرَةٍ وَأدمُعَ فيْ عَينَيَّ مُنهَمِراتِ
وَكنتُ كَما يَلقى العشيقُ حبيبةً عَلَيها بُعَيدَ النَوىْ يَنهالُ بالقُبُلاتِ
(*)الخرطوم – أيلول (سبتمبر) 1998