مبادئ حوكمة الشركات

عبدالباسط كريم مولود

في البدء نود ان نشير بانه لا يوجد تعريف موحد لحوكمة الشركات، ولكن تكمن مفهومها بأنها مجموعة من القواعد والأسس التي تحدد كيفية توزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الادارة والمديرين التنفيذين، وتحدد أيضاً كيفية اتخاذ القرارات داخل الشركة. عليه يمكن القول بانه النظام الذي يتم من خلاله ادارة الشركات والتحكم في اعمالها. وإن مصطلح  حوكمة الشركات – أو ما يفضل أن يسميه البعض بأسلوب ممارسة السلطات الرشيدة – ذو أصول إنكليزية ويطلق عليها في الفقه والقانون الانكليزي (good governance) أو (corporate governance).

ارتبط ظهور قواعد الحوكمة للشركات في أعقاب الانهيار الاقتصادي والمالي للشركات الذي حدث في بعض دول شرق أسيا عام 1997 ومع ظهور الأزمات المالية اللاحقة وظهور قضية شركة إنرون الامريكية التي نتجت عن تساهل مدققي الحسابات مع مجلس الادارة في الشركة مخترقة قواعد الحوكمة.

ولأهمية مبادئ حوكمة الشركات وعلى المستوى الدولي، أيد وزراء مالية دول مجموعة العشرين (G20) باجتماعهم عام 2015 بمدينة أنطاليا التركية قرار مجلس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حول مبادئ الحوكمة للشركات، والتي تم الاتفاق على أن يطلق عليها مبادئ (OECD/G20) لحوكمة الشركات، وهذه المبادئ هي:

1- ضمان وجود أساس لإطار فعال لحوكمة الشركات من خلال قواعد قانونية واضحة وصريحة للالتزام بها من قبل الشركات.

2- الالتزام بحقوق المساهمين والمعاملة المتكافئة للمساهمين والالتزام بالأسس القانونية في توزيع المسئوليات ضمن المستويات التنظيمية والادارية في الشركة.

3- تأمين بيئة حافزة للمؤسسات الاستثمارية، وأسواق الأسهم، وشركات الوسطاء في تداول الاوراق المالية وفقا لقواعد حوكمة الشركات.

4- تنظيم دور أصحاب المصالح في حوكمة الشركات وفقاً للقانون بما يضمن تحقيق الشركة لأهدافها وضمان التعامل بطريقة عادلة بالنسبة للمساهمين والعمال والدائنين والاطراف الأخرى.

5- الافصاح والشفافية عن الوضع المالي والاداء والملكية والادارة من خلال اتباع الاجراءات القانونية والمحاسبية بصورة صحيحة.

6- قيام اعضاء مجلس الادارة بمسئولياتهم القانونية من خلال الرصد الفعال للأدارة وجميع الاعمال التي تقوم بها الشركة وتحمل المسئولية الكاملة تجاه الشركة والمساهمين.

7- الحد من الفساد الاداري والمالي مع العمل بأعلى مستويات الاداء، بهدف الوصول لأفضل ممارسة للسلطة في ادارة الشركة.

وتأسيسا لما تقدم، يظهر بان قواعد الحوكمة ومبادئها تهدف الى تحقيق الشفافية والعدالة ومنح حق مساءلة إدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين، ومراعاة مصالح العمل والعمال، والحد من استغلال السلطة، وتنمية الاستثمار وتشجيع تدفقه وتنمية المدخرات.

وللحوكمة مزايا قانونية تتمثل في التزام الشركات بالافصاح، ولها مزايا اقتصادية تتمثل في تحسين أداء الشركة إذ توجد علاقة طردية بين أداء الشركة وحوكمة الشركات، ومزايا اجتماعية تتمثل في التزام الشركات بمسئولياتها الاجتماعية.

لم يشر المشرع العراقي في قانون الشركات العراقي رقم (21) لسنة 1997 المعدل بصورة مباشرة الى قواعد الحوكمة للشركات، وهذا يعتبر نقصاً تشريعياً بالرغم من وجود قواعد للحوكمة بصورة متناثرة في ثنايا قانون الشركات والقوانين الاخرى المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، كقانون الاستثمار لسنة 2006 وقانون سوق الاوراق المالية رقم (74) لسنة 2004، في حين نرى في قانون الشركات الانكليزي لسنة 2006 إشارة صريحة حول الالتزام بقواعد الحوكمة حسبما منصوص عليها في المادة (1269) منه على ضرورة التزام الشركات بقواعد الحوكمة الواردة في قانون الخدمات وأسواق المال لعام 2000 الانكليزي.

 وبالانتقال الى موقف المشرع المصري في تنظيم حوكمة الشركات وبيان مفهومها، فانه وعلى الرغم من أن قانون الشركات المصري لسنة 1981 المعدل لم ينص على قواعد حوكمة الشركات بشكل مباشر، إلا أنه وبالرجوع الى الانظمة والتعليمات التي اصدرتها الجهات الحكومية المصرية، فانها تدل على سير المشرع المصري في خطوات متقدمة للوصول الى تكامل قواعد الحوكمة ضمن التشريعات الفرعية الملحقة بقانون الشركات المصري.

يعتبر تبني مفهوم حوكمة الشركات في التشريع العراقي أمراً ضرورياً لمواجهة حالات الفساد المالي والاداري الذي تعانيه القطاعين العام والخاص ولاسيما الشركات المساهمة والمحدودة، وإن هذه الضرورة تكمن في الحفاظ على حسن سير ادارة الشركة من حيث سلامة إعداد التقارير المالية وإتباع معايير ذات جودة عالية في مجال الافصاح والشفافية، وكذلك بيان حقوق حملة الأسهم في الشركات العراقية وحقوق أصحاب المصالح والمسئولية الملقاة على عاتق مجلس الادارة وكبار القائمين بالمهام التنفيذية في الشركة. إضافة الى ذلك فان أهمية حوكمة الشركة هي لمواجهة متطلبات المرحلة الراهنة للحفاظ على الشفافية وحسن سير أداء العمل في المجالات الاستثمارية العديدة التي يقبل عليها العراق، لان ضعف الوعي بأهمية حوكمة الشركات سيؤدي الى نتائج خطيرة في الميدان العملي لعمل الشركات، وخير دليل على ذلك ما حصل في العراق في الآونة الاخيرة من سرقة كبيرة عرفت بسرقة القرن، لأنها تجاوزت (4) مليار دولار، فلو كانت هناك قواعد محكمة لضبط عمل الشركات فمن الصعب مرور مثل هذه السرقات والاعمال اللاقانونية.

وللمشرع العراقي موقف ايجابي عن مبادئ حوكمة الشركات يظهر من خلال استقراء المادة الاولى من قانون الشركات العراقي وهي عبارة عن اهداف لهذا القانون وتتمحور حول ما يأتي:

1- تنظيم الشركات.

2- حماية الدائنين من الاحتيال.

3- حماية حاملي الأسهم من تضارب المصالح من سوء تصرف مسئولي الشركة ومالكي أغلبية الأسهم.

ويبدو جليا من هذه الاهداف بان المشرع يهدف الى جعل القانون أكثر ملائمة لتنظيم الشركات وضبط نشاطها بشكل يضمن الحماية الكافية لحملة الاسهم والحد من تضارب المصالح وعدم فسح المجال لسوء التصرف في ادارة الشركة، وكل ذلك يخضع الى مدى التمسك بالمبادئ الخاصة بحوكمة الشركات وفي إطار قانوني فعال يشير اليها صراحة في القانون، ونأمل ذلك عند تعديل قانون الشركات العراقي مستقبلا، وفي ذلك ضمان لهذه المبادئ ولقوتها الداعمة والتي تنعكس على حسن سير أداء الشركات في تحقيق مهامها بشفافية ومن دون تعارض المصالح وتفضيل لمصلحة فئة معينة على مصالح أخرى وحماية رأسمال الشركة في ممارسة دوره في تحقيق اهداف وغايات الشركة بعيداً عن المخاطر والمسائلة القانونية.                                

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *