المنافسة التجارية ومنع الاحتكارفي القانون العراقي و قانون اقليم كوردستان

    أ.م.د عبدالباسط كريم مولود

تعتبر المنافسة التجارية من الركائز الأساسية في الاقتصاد الحر الذي يقوم على مبدأ حرية التجارة والصناعة وحرية المنافسة، ولكن لا يمكن ان تكون حرية الأشخاص في ممارسة النشاط التجاري مطلقة، لابد من ان ترد عليها قيود تفرضها الضرورة العملية والمصلحة العامة.  ومن هذا المنطلق تدخل المشرع في العراق حيث شرع قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم (14) لسنة 2010، كما شرع في إقليم كوردستان القانون نفسه تحت رقم (3) لسنة 2013

وعرف المشرع العراقي (المنافسة)  في القانون العراقي في المادة 1 /اولا المنافسة بانها (الجهود المبذولة في سبيل التفوق الاقتصادي )..  ويؤخذ على  المشرع العراقي في تعريفه  للمنافسة لتركيزه على التفوق الاقتصادي حصرا واهمل التفوق التقني والعلمي، والتفوق بحد ذاته  ليس هدفا للمنافسة بين التجار بل وسيلة لتقديم الافضل لغرض جلب المستهلكين وتحقيق الارباح… ومن حيث موقف المشرع في اقليم كوردستان بصدد تعريف (المنافسة) اذ عرفها في المادة الخامسة من القانون اعلاه بانها (مزاولة الانشطة الاقتصادية وفقا لاليات السوق دون التاثير او تقييد لتلك الاليات، تاثيرا او تقييدا مفرطا يلحق اثارا ضارة بالتجارة او التنمية)

ويتضح من هذا التعريف بان المشرع في الاقليم ركز على ضرورة التوازن بين الانشطة الاقتصادية والتجارية واليات السوق من دون الاضرار بالقواعد المختصة المنظمة للتجارة والتنمية في مجالاتها المختلفة.. وبذلك يبدو بان المشرع في اقليم كوردستان عرف المنافسة في اطار التجارة بشكل اوضح وادق مما جاء في تعريف القانون العراقي

ان تنظيم المنافسة يؤثر تأثيرا ايجابيا مباشرا على النشاط التجاري، ويمكن عرض اهم هذه الاثار في النقاط التالية

1-ان قيام أي سوق على أساس المنافسة المنظمة، من شانه اتقان السلع والخدمات المقدمة من قبل المتنافسين، وتحسين نوعيتها وجودتها من خلال اعتماد الطرق الحديثة في الإنتاج

2-التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وتوفير السلع التي يحتاجها جمهور المستهلكين

3-تحقق المنافسة المساواة وتكافؤ الفرص للتجار

وجاء في الأسباب الموجبة لتشريع القانونين المذكورين ما يؤكد النقاط المشار اليها اعلاه من حيث ضمان حرية المنافسة ومنع الاحتكار في الأسواق امام التجار والشركات من المستثمرين والمنتجين والمسوقين او غيرهم في جميع النشاطات الانتاجية والتجارية والخدمية والانشطة الاقتصادية، ولما للمنافسة ومنع الاحتكار من أهمية في خلق حافز لتخفيض الكلفة والسعر وتحسين الجودة بالنسبة للسلع والخدمات المعروضة في السوق، وهذا يؤدي الى تشجيع القطاع الخاص والمختلط والعام وتطويرها دعما للاقتصاد الوطني وحسن انسيابية السلع والخدمات التي تتم داخل العراق واقليم كوردستان

ويبدو من المحظورات الواردة في القانونين اعلاه تشابه ملحوظ في المحظورات التي ترد في  صيغة الاتفاق او التعاقد بين اشخاص متنافسين في اية سوق او من تكون له السيطرة على سوق معينة بقصد الاحتكار وتحقيق المنافسة غير المشروعة كما وردت في المادتين (9،10) من القانون العراقي و المادة (8) من قانون اقليم كوردستان، نلخصها على الاوجه التالية

– يحظر اي اندماج بين شركتين او اكثر واية ممارسة تجارية مقيدة اذا كانت الشركة او مجموعة من الشركات مندمجة او مرتبطة مع بعضها تسيطر على 50% او اكثر من مجموع انتاج سلعة او خدمة معينة او اذا كانت تسيطر على 50% او اكثر من مجموع مبيعات سلعة او خدمة معينة… وشدد المشرع في اقليم كوردستان في هذا الخصوص اذ جعل النسبة في الاندماج بين شركتين او اكثر 35% او اكثر

– يحظر على اية جهة اعادة بيع منتج على حالته بسعر اقل من شرائه الحقيقي اذا كان الهدف من ذلك الاخلال بالمنافسة المشروعة

– التلاعب بأسعار المنتجات

– التنسيق فيما يتعلق بالتقدم او الامتناع عن الدخول في المناقصات والمزايدات والممارسات وسائر عروض التوريد

– التمييز بين العملاء في العقود المتشابهة بالنسبة لأسعار السلع والخدمات او شروط بيعها وشرائها

– ارغام عميل لها على الامتناع من التعامل مع جهة منافسة لها

– رفض التعامل دون مسوغ قانوني من عميل معين بالشروط التجارية المعتادة

– السعي لاحتكار مواد معينة ضرورية لممارسة جهة منافسة لنشاطها او شراء سلعة او خدمة معينة بالقدر الذي يؤدي الى رفع سعرها في السوق او منع انخفاضه

– تعليق بيع او تقديم خدمة بشراء سلع اخرى او بشراء كمية محددة منها او بطلب تقديم خدمة اخرى

– ارغام جهة او طرف او حصول أيا منهما على اسعار او شروط بيع او شراء خاصة غير مبررة بشكل يؤدي الى اعطائه ميزة في المنافسة او الى الحاق الضرر به

– اقتسام اسواق المنتجات او تخصيصها على اساس المناطق الجغرافية او مراكز التوزيع او نوعية العملاء او السلع او المواسم او الفترات الزمنية

ولتلافي هذه المحظورات اعتمدت التشريعات المختلفة لتنظيم المنافسة ومواجهة الممارسات المخلة بها هو انشاء جهاز متخصص توكل اليه تنفيذ الاهداف المتمثلة في تنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية من خلال مكافحة او الغاء الاتفاقات او التصرفات التقيدية فيما بين المؤسسات التجارية او الاندماجات وعمليات الشراء او اساءة استعمال مراكز قوة سوقية مهنية، مما يحدد من امكانية الوصول الى الاسواق او تقييدا مفرطا، فيؤثر تأثيرا ضارا في التجارة الداخلية او الدولية او التنمية الاقتصادية و تلحق الضرر بالمجتمع

وقد انشأ المشرع العراقي في المادتين (4،6) من قانون المنافسة ومنع الاحتكار مجلسا لشؤون المنافسة ومنع الاحتكار وحدد واجباته وصلاحياته وكيفية  تشكيله، كما فعل المشرع في إقليم كوردستان الامر نفسه بتشكيل مجلس لحماية المنافسة ومنع الاحتكار في المواد (4،5،6) من قانون  المنافسة ومنع الاحتكار في اقليم كوردستان رقم (3) لسنة 2013 ،  وتضمنت القانونين أعلاه قواعد قانونية منظمة لتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار و من مهامه

– اعداد الخطة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار مع الجهات ذات العلاقة

– العمل على نشر ثقافة المنافسة ومنع الاحتكار وحمايتها وتشجيعها

– تقتضي المعلومات والممارسات المخلة بقواعد المنافسة ومنع الاحتكار بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة وفق احكام التشريعات

– اجراء التحقيقات في الممارسات التي تكشفها او بناء على ما تتلقاه من شكاوي وبلاغات او تلك التي تكلفها بها المحكمة، واعداد التقارير عن نتائجها وغيرها من المهام الواردة في المادة (7) من القانون العراقي و المادة (6) من قانون اقليم كوردستان

هناك انتقادات قانونية توجه للمشرعين في تنظيمهم للمنافسة ومنع الاحتكار في مواضيع ذات صلة بالمنافسة وهذا شان كل قانون بعد صياغته وتشريعه، ولكن النقطة الجوهرية التي نريد ان نركز عليها باختصار في هذا المقال، هي تفعيل مجلس شؤون المنافسة ومنع الاحتكار لكي يبدأ بممارسة اختصاصاته وفقا لما جاء في القانونين وفي ذلك أهمية كبيرة على المواطنين من الناحية الاقتصادية لان المجلس المذكور انيط به العمل على نشر ثقافة المنافسة ومنع الاحتكار وحمايتها وتشجيعها واعداد الخطة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار واجراء التحقيقات في الممارسات التي تكشفها او بناء على ما تتلقاه من شكاوي ومعلومات ترد اليها من المحظورات المشار اليها اعلاه

تأسيسا على ما تقدم، نأمل من الجهة المختصة وحسب الذي ورد في القانون باتخاذ خطوات اكثر جدية وصارمة في ممارسة المجلس المذكور واجباته وصلاحياته تحقيقا للأهداف الواردة في القانون الذي شرع من اجل تلك الأهداف وعدم فسح المجال بممارسات مخلة بالقانون وتلافي المحظورات في التعامل التجاري

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *