شركات الوساطة في سوق الأوراق المالية في القانون العراقي

أ. م.د. عبدالباسط كريم مولود(*)

[email protected]

 

من البديهي أن التعامل في أسواق المال (البورصة) يتم على الأسهم والسندات والأوراق المالية  والأوراق المالية الأخرى، عرّف القانون العراقي المؤقت لأسواق الأوراق المالية رقم 74 لسنة 2004 الوسيط المالي بأنه: (الشخص المخول من قبل مجلس المحافظين بموجب الفصل (5/1/أ) من هذا القانون في معاملات السندات في سوق الأوراق المالية أو الشخص القانوني المخول بموجب الفصل (5/1/ب)، وقد يقبل المصرف كوسيط اذا خول بالعمل وفق تلك الصلاحية).

يتضح من التعريف ركاكة الصياغة وأنه غير دقيق، لأنه لم يبين ما المقصود بالوسيط وما هي مهمته الأساسية في سوق الأوراق المالية. وفي الوقت نفسه، عرّفت التعليمات التنظيمية لتداول الأوراق المالية في سوق العراق للأوراق المالية لسنة 2004 الوسيط بأنه (شخص معنوي يجاز من المجلس لممارسة الوساطة في بيع وشراء الأوراق المالية بموجب احكام القانون والنظام)… ويبدو من هذا التعريف بيان عمل الوسيط بصورة أكثر دقة، بأنه من يتوسط في بيع وشراء الأوراق المالية والزم بان يكون الوسيط شخصا معنويا دون الشخص الطبيعي، وهذا التوجه يتناسب مع طبيعة الشخص المعنوي والذي يحتاج في تكوينه الى جمع رؤوس أموال كبيرة، وبالتالي تكون ضماناً للمستثمرين في السوق ويكون قادراً على تنفيذ التزاماته المالية والقانونية بصورة أفضل.

ويقوم الوسيط في مجال الأوراق المالية بعمله، ببيع وشراء الأسهم والسندات التي تصدرها الشركات المساهمة حصراً والمقيدة في سوق الأوراق المالية حسب القانون العراقي، وكثيرا ما يختلط  بين المصطلحين (الوسيط) و(السمسار)، نود ان نوضح بهذا الخصوص بان المشرّع العراقي في القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية رقم ٧٤ لسنة ٢٠٠٤ يستخدم لفظ (الوسيط) في القسم الخامس منه والمعنون باسم (الوسطاء)، كما استخدم المشرّع العراقي مصطلح (الوساطة التجارية) في قانون التجارة العراقي رقم ٣٠ لسنة ١٩٨٤ في المادة (٥/١٦) منه، وبذلك يتضح بان مصطلح (الوسيط) هو المصطلح القانوني الصحيح في مجال تداول الأوراق المالية في البورصة، اما كلمة (السمسار) يتدخل أيضا في التقريب بين شخصين، لكن لا شان له بتنفيذ العقد بعكس الوسيط في تداول الأوراق المالية يلتزم امام عميله بتنفيذ أوامره سواء اكان بالبيع ام الشراء واتمام الصفقة، اضافة الى ذلك وفي السياق نفسه تستعمل كلمة (الدلال) في المجتمع العراقي للدلالة على الوسيط في المجالات العادية دون الأوراق المالية وينظم عمل الدلال في العراق بموجب القانون رقم (58) لسنة 1987.

إضافةً إلى ذلك فأن الوساطة في الأوراق المالية للشركات المقيدة في البورصة تكون قاصرة على الوسطاء المرخصين بذلك وشدد المشرّع في الشروط القانونية للحصول على صفة الوسيط، وهذا من شأنه أن يجعل للوساطة في التعامل بالأسهم والسندات ذات طبيعة خاصة نظرا لارتباطها بالوسيط الذي له وضع خاص من حيث كيفية اكتساب صفة الوسيط وما تترتب من الناحية القانونية على اكتساب هذه الصفة من حقوق والتزامات. وألزم المشرّع العراقي في القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية، بأن يكون الوسيط في شكل شركة دون تحديد نوعها، او مصرفاً عراقياً أو أجنبيًا أو فرعاً لمصرف أجنبي مخولاً بممارسة النشاط المصرفي في العراق حتى يستطيع أن يمارس نشاط الوساطة في مجال تداول الأوراق المالية.

وفي مقابل الحقوق التي منحها القانون للوسيط المرخص بتداول الأوراق المالية من بيع وشراء في سوق الأوراق المالية، ألزم المشرع في القانون المؤقت المشار إليه أعلاه الوسيط بعدة التزامات لحماية المتعاملين ومراعاة مصلحة المستثمرين وحماية حقوقهم، كالالتزام بقواعد السوق وعدم توسط الوسيط لحسابه الخاص مع الالتزام بحفظ سر المهنة والإفصاح تجاه العملاء، مع التقيد بتنفيذ الأوامر الخاصة بالبيع او الشراء للأوراق المالية وضمان سلامة العملية التي تتم في ضوء تلك الأوامر.

ويبدو من الالتزامات أعلاه، بان الوسيط امام التزامات واضحة وصريحة وتقع عليه مسؤوليات قانونية كبيرة في حالة الاخلال بهذه الالتزامات. وأن وجود الوسيط المالي في البورصة يخدم حماية المستثمرين بصورة عامة، لاسيما الذين لا يملكون الخبرة الكافية في السوق. ويترتب على الوسيط  تقديم النصح والتوصيات الى عملائهم ووضع مصلحتهم قبل مصلحته وابلاغهم بكل المعلومات ذات الصلة التي تخص تعاملاتهم الورقية، حتى ولو أدى ذلك الى تراجع العميل عن الاستثمار في السوق، لان مصلحة العميل المستثمر تأتي قبل مصلحة الوسيط.

تمارس شركات الوساطة عملها في البورصة تحت مراقبة هيئة الأوراق المالية التي تعمل على تعزيز الدور الرقابي على سوق الأوراق المالية مع متابعة تقديم شركات الوساطة للبيانات المالية وحسب المواعيد القانونية المقررة، ولها من الصلاحيات القانونية في اتخاذ إجراءات صارمة بحق شركات الوساطة المخالفة حماية للمستثمرين وسلامة سير عمليات التداول منعا لحصول المخالفات والخداع والاحتيال.

وفي تطور مهم في هذا المجال صدر في العراق نظام شركات الاستثمار المالي رقم (٦) لسنة ٢٠١١ استناداً الى قانون البنك المركزي رقم ٥٦ لسنة ٢٠١٤ والمادة (٩/البند ثانيا) من قانون الشركات العراقي رقم ٢١ لسنة ١٩٩٧ المعدل، وبموجب النظام المذكور فأن الشركة المساهمة وبموافقة البنك المركزي العراقي، تستطيع ممارسة أعمال عديدة محددة في النظام المذكور متعلقة بالاستثمار المالي ومنها شراء وبيع الأسهم والسندات والأوراق المالية الأخرى المسموح تداولها في البورصة حسب المادة (٦/ثانيا) من النظام المشار اليه أعلاه، وتستطيع الشركة بموجب المادة (٧) من النظام نفسه ان تستحصل موافقة سوق العراق للأوراق المالية لممارسة الوساطة في بيع وشراء الأوراق المالية وفقا للإجراءات القانونية الواردة في القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية.

حدد القانون للوسيط حصرا مهنة الوساطة في تداول الأوراق المالية، نرى من الأفضل ان يسمح للوسيط بممارسة نشاطات أخرى إضافة الى مهنة الوساطة في بيع وشراء الأوراق المالية، لان ذلك سيوفر فرصاً إضافية في هذا المجال ويشجع المستثمرين على تشغيل مدخراتهم ورؤوس أموالهم، ومن هذه الأنشطة التي نقترح إضافتها عند تعديل القانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية، ما يلي:

1-     الترويج وتغطية الاكتتاب في الأوراق المالية.

2-     تكوين وإدارة صناديق الاستثمار بهدف استثمار المدخرات في الأسهم والسندات.

3-     المقاصة والتسوية في معاملات الأوراق المالية.

4-     تقديم استشارات في مجال استثمار الأوراق المالية.

ولأهمية شركات الوساطة في تفعيل الاستثمار وحركة رؤوس الأموال لاسيما المدخرة منها، نأمل مستقبلا ان يشرع برلمان كوردستان قانون خاص لتنظيم سوق الأوراق المالية كالأسهم والسندات التي تصدرها الشركات المساهمة وفي ذلك سد لنقص تشريعي ويفتح المجال امام الاستثمار في هذا المجال الحيوي.

 

(*) أستاذ القانون التجاري المساعد، كلية القانون، جامعة تيشك الدولية، اربيل.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *